مهتم بالتنمية البشرية حدثني صديقي قائلا: إمام مسجد حارتنا في مقتبل العشرين من عمره وربما أقل، عليه من التصرفات النرجسية ما جعل بعض المصلين يتذمرون وربما يتندرون جراء أفعاله في تبجيل نفسه والظهور بمظهر شيخ إسلام زمانه. وقت الإقامة يحضر فضيلته داخلا من باب مخصص له يدلف عبره إلى غرفة خاصة به توجد في مقدمة المسجد لا يدخلها معه سوى المؤذن. في هذه الغرفة عدة مشالح بألوان الطيف المختلفة، تتلألأ بالتطاريز العريضة والنقوش الزاهية. منها الصيفي والشتوي وكذلك الربيعي. يدخل المؤذن فيقيم الصلاة وما زال حضرة الإمام يقلب المشالح لينتقي المشلح المناسب، يمتاز مشلح اليوم بكونه لم يلبسه منذ وقت قريب. وتنتهي الإقامة والمصلون واقفون بانتظار طلعته البهية من غرفة الملابس أو المشالح سمها ما شئت. ثم يخرج بعد الإطالة بأغرب إطلالة. يتهادى كالطاووس في مشلحه، يمشي الهوينا على امتداد عشرين مترا تقريبا حتى يصل لمحرابه وسط المسجد الشاسع الواسع. ثم إذا ختم الصلاة انحرف للمصلين وكأنه ابن الجوزي القرن الواحد والعشرين. يرى أن كل المصلين أمامه ليسوا إلا مريديه وطلابه! يشعر أنهم يحمدونه ويمجدونه. وعلى يمينه (متكأ) وعلى يساره آخر، وخلفه أيضا (المسند)، وكلها بجودة وتطريز فاخر لا تقل جودة عن تطريز المشلح. في خضم هذا المشهد الذي ذكره صديقي، تذكرت حبيبنا عليه الصلاة والسلام حين يقدم عليه الأعرابي في مسجده أو مجلسه فيقول أيكم محمد؟ نبي الأمة وخاتم المرسلين، حبيب الحق، سيد الخلق، والداخل عليه لا يعرف أين هو من بين أصحابه! حيث ليس له لبس خاص، ولا متكأ خاص، ولا هيئة خاصة. ويدل أيضا على أن الصحابة رضي الله عنهم جالسون حوله، وهو بينهم، فلم يكن في منأى عنهم، أو متباعد عنهم، ولك أخي القارئ أن تكمل بنفسك المشهد النبوي وتقارنه بمشهد إمام مسجد صاحبنا وكل من على شاكلته متوشحا مشلحه. نسأل الله أن يصلحه. كذلك وعلى مشكاة النبوة، فقد رأيت من علمائنا الأجلاء أروع صور التواضع المنقطع النظير. أذكر منهم العلامة ابن عثيمين وسماحة ابن باز رحمهما الله تعالى. يمشي الشيخ ابن عثيمين من منزله إلى المسجد مسافة طويلة جدا واضعا مشلحه فوق رأسه من شدة الحر أو القر. يدخل من باب عموم المصلين ويضع حذاءه بنفسه في المكان المخصص. يلتفت إلى المصلين باستدارة جميلة ويجلس أمامهم جلسة التشهد نفسها وليس عنده (مراكي) ولا (مساند). يرجع لمنزله بتلك الهيئة وخلفه جيش من الطلبة والسائلين خافضا جناحه للكل، وينشغل بإماطة الأذى عن الطريق ومساعدة المارة. ليس هناك اعتراض في لبس المشلح على من له مكانة اعتبارية أو علمية وبلغ من العلم والعمر والتجارب شأوا، اتفقت الأمة على تقديره واعتباره، بيد أن حديثنا هنا عن ذلك اليافع قليل العلم والتجربة الذي يتلبس لبوس الكبار ويرى الناس أمامه صغارا. وأقول لصديقي وجيرانه: صبرا، فأنا على يقين أنه حين يبلغ إمامكم من العلم والتجربة ما بلغه العلماء ستختلف معايير تلك النرجسية وسيسلك مسلك التواضع وخفض الجناح.