تواصل "الوطن" نشر سلسلة تقارير عن المصالحة "المستحيلة" مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر، بحسب مراقبين يشيرون إلى أن تاريخ الجماعة متخم على مدار 80 عاما، بعمليات "المراوغة" و"الخداع"، و"الانتهازية". وفيما يخشى المراقبون من انتهاج الجماعة المصنفة ك"تنظيم إرهابي" لعمليات استقطاب لحركات ثورية، تدور حولها شبهات بتلقي تمويل وتدريب في عدة دول، لا يستبعد منشقون عن "الإخوان" مثل ثروت الخرباوي، وإسلام الكتاتني، تسلل ودخول "المحظورة" عبر تكتلات تندرج في إطار تيارات "الإسلام السياسي"، ك"الوسط"، و"الأصالة"، و"البناء والتنمية" وغيرها، لتوظيفها كورقة ضغط تنتهي بدعمهم على الأرض. في مقابل ذلك، تقف حالة الإحباط من الجماعة في الشارع المصري، حائلاً أمام إجراء "المصالحة" معها، ويرى المصريون أن التحاور معها ليس واردا حاليا، على اعتبار أن الجماعة تواصل تصعيد العنف والعمل "السري"، تحت غطاء ما تراه "عودة الشرعية"، وتستخدم "تكفيريين" كأدوات للضغط على الدولة، دون أن تجد "فاتورة الدماء" من يتحمل دفع ثمنها "سياسيا". فيما تواصل "الوطن" نشر ملف دعوات المصالحة مع الجماعة المصنفة ك"تنظيم إرهابي"، فإن الراسم لخريطة الصراع المحتدم بين الإخوان وأنصارهم من جهة، وقوات الجيش والشرطة وقاعدة عريضة من المواطنين، صار واضحا أمامه أن الشارع السياسي المصري ينقسم بين رؤيتين: الأولى تؤكد حتمية مواجهة الإخوان، وعدم التراجع عن ملاحقتهم على كافة الأصعدة بوصفها "معركة وجودية" تتعلق بهوية الدولة المدنية ومستقبل العملية السياسية، واستعادة الأمن في الشارع، لأنه شرط أساسي لعودة السياحة والاستثمارات لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تعترف بها كافة الأطراف. لغو فارغ أما الرؤية الثانية فتتحدث عن "مصالحة مشروطة" بقبول الإخوان وأنصارهم الاندماج بالواقع السياسي الجديد وهو ما يرفضه بتشنج أنصار الجماعة، مؤكدين استمرارهم في التصعيد ميدانيا ضد ما يصفونه بالانقلاب وما سبق وعبر عنه هشام الدسوقي، القيادي في "حزب الحرية والعدالة"، الذراع السياسي للجماعة بقوله إن المصالحة لم يعد لها أساس وليست واردة إلا بعودة من وصفه بالرئيس الشرعي للبلاد، في إشارة للرئيس المعزول محمد مرسي، ومحاكمة كل من وصفهم بقادة الانقلاب، ومن شاركوا في قتل عناصر الجماعة خلال المواجهات الدامية، أو أثناء فض اعتصامي ميداني رابعة العدوية والنهضة، وباختصار يريدون إعادة عقارب الساعة لما قبل 30 يونيو والثالث من يوليو 2013، وهذا "لغو فارغ" غير قابل للتنفيذ، وتراه غالبية المواطنين قبل السلطات "خرافات وهلوسات" أن تُملي جماعة إرهابية شروطها على الشعب والجيش والشرطة والقضاء وغيرها من مؤسسات الدولة. خرافات وهلوسات القيادي المنشق عن الإخوان مختار نوح ينفي بعبارات صريحة وجود أي مبادرات جدية لما وصفه بإعادة دمج "الإخوان" في الحياة السياسية، وأن ما يحدث مجرد "اجتهادات نخبوية"، كما فعل أستاذ العلوم السياسية حسن نافعة مثلاً الذي تحدث مع بعض قادة الجماعة وبالطبع فلن تبلور مثل هذه المحاولات مبادرات بخطوات محددة، وأن المناخ السياسي لا يسمح بمبادرات لن يقبلها المجتمع، وأن الحل بيد الإخوان باعترافهم بالواقع وطرح مبادرات جادة، غير أنه استدرك مستبعدا أن تُقدم الجماعة، في ظل قادتها القطبيين على هذه الخطوة. يتفق مع نوح اللواء حسن بهجت الوكيل السابق لهيئة الأمن القومي قائلاً: إن الواقع السياسي الراهن يجعل الحديث عن حوار مجتمعي مجرد لغو فارغ، وأن الفشل سيكون مصير محاولات احتواء عناصر مأزومة من شتى أطياف جماعات يعتنقون أفكارا تكفيرية متشددة ممزوجة بمشاعر الاضطهاد من قبل سلطة يرونها باطلة، ويطرحون أنفسهم، كما أسماهم سيد قطب "الطليعة المؤمنة الربانية" التي باتت تضم خليطا عشوائيا من "ميليشيات الإخوان" المأزومين، والتكفيريين الذين يخوضون حربا ضد من يسمونهم "أعداء الإسلام"، وليست خصومة سياسية، لكنه يرى مكمن الخطورة في تفاعل الخبرات الحركية لهذه الفصائل لتنتقل من المظاهرات التي لم تكن أبدا سلمية، للعنف المنهجي لضرب كافة مفاصل الدولة في مواجهة مفتوحة على شتى الاحتمالات. ويمضي الخبير الأمني منتقدا من يتحدثون عن مصالحة مجتمعية ومبادرات لما يوصف بعملية "فض الاعتصام السياسي". مواجهة دولية ووسط هذه الآراء المتباينة فإن الغموض يخيم على مستقبل جماعة الإخوان التي باتت تواجه أقسى محنة منذ نشأتها، بل تكاد تتجاوز صدامهم مع النظام الناصري، لأنها هذه المرة لم تعد قضية داخلية، لكنها باتت مواجهة دولية عابرة للحدود فبعد فشل تجربتهم في الحكم، تستحضر الذاكرة تجارب أخرى فشلت في عدة دول كالسودان وأفغانستان والصومال وغيرها، وأن قيادات الإخوان يبررون ذلك الفشل بالحديث عن خصوصية تجربتهم، لكنهم رغم التبريرات وفشلهم السريع والذريع سياسيا، يكابرون ويرفضون الاعتراف بالواقع الجديد ولا يهتمون بإرادة الغالبية الساحقة المناوئة لهم، ممن يوصفون في مصر بتعبير "حزب الكنبة"، لكنهم يختزلون الأمر بتدخل الجيش لتسويق ما حدث بوصفه "انقلابا عسكريا" لتبرير فشلهم بمزاعم شتى مثل "إجهاض مشروعهم" السياسي لأسباب تروج خلالها نظريات المؤامرة الكونية عليهم. الدولة العميقة وبتحليل مضمون لخطاب الإخوان سنرصد أنه يتحدث بلهجة يقينية، أن الضربات الموجعة التي تتلقاها جماعتهم ليست أولى المواجهات ضد السلطة ومؤسساتها التي يُسمونها "الدولة العميقة"، فقد تعرضوا على مدار عقود للملاحقات من خصومهم، بدءا بالرئيس الراحل عبدالناصر، مرورا بالسادات، وصولا لمبارك، وبقيت شبكاتهم التنظيمية متماسكة، وعزز ذلك شعورهم بالاضطهاد، لكنهم يحذرون بأن هذه المواجهة المفتوحة ضدهم هذه المرة قد تدفع جيل الشباب المتحمس للعمل السري بما يُنذر بمواجهة طويلة المدى، وذات طبيعة مختلفة، من دون الخوض في هذه الطبيعة، للإيحاء بتهديد المجتمع قبل السلطة. حتمية الإقصاء ومن لهجة التهديد الإخوانية بيقين لا مبرر له، وبعيدا عن السجالات التي تشتعل عبر وسائل الإعلام، وحتى المقاهي، فهناك تقديرات سياسية لمراكز دراسات تتبع الأجهزة السيادية، وتشكل معملا للأفكار أو Think Tanks توصي بأن الواقع الراهن وخسائر الإخوان شعبيا بعد حملهم السلاح، منحتا مصر "فرصة تاريخية" لتوجيه ضربات قاضية لجماعات التكفير، فهذا الفصيل لن يستطيع الحياة سياسيا بعد "تحييد المنابر" وإخضاعها لوزارة الأوقاف للتصدي للحشد الديني الذي كان يستغله الإخوان عبر سيطرتهم على آلاف المساجد، لأنها أقوى أدواتهم، إذ تجتذب أنصارا جددا للجماعة التي تمولهم وتدربهم بمصر وخارجها. وتمضي الدراسة محدودة الانتشار لتقديم توصية باستثمار معارضة قطاعات واسعة من المجتمع لممارسات الإخوان، للإسراع بتأسيس "دولة مدنية ديموقراطية"، ففي هذه اللحظة الفاصلة يقتضي الأمر رؤية واضحة لدى كافة الأطراف المشاركة في رسم ملامح خريطة المستقبل، وسن "منظومة قانونية حاسمة"، لإقصاء "الفاشية الإخوانية" تمهيدا لجمهورية جديدة عنوانها سيادة القانون والالتزام بمنظومة الحقوق والحريات والعدالة الاجتماعية، مع احترام الهوية الدينية في مجتمع يلعب فيه الدين دورا لا يُمكن تجاهله، والدفع باتجاه تعظيم أدوار "الأزهر، ودار الإفتاء، ووزارة الأوقاف"، بوصفها المرجعيات الوحيدة المعتمدة لما يتعلق بتفسير النصوص، والاجتهادات الفقهية، والرد على فتاوى التكفير، وكفالة استقلالية الأزهر عن الحكومة. تجفيف المنابع ويمضي أنصار رؤية "حتمية الإقصاء" ولو مرحليا للتأكيد على اتخاذ إجراءات استثنائية لتجفيف المنابع مثل حظر أنشطة التنظيم والجمعيات التي تتلقى التبرعات، ويقودها أنصار الجماعة، والتحفظ على أموالها العقارية والمالية، وتتبع كل الحسابات المصرفية والعقارات والمنقولات المملوكة لقيادات الصف الأول من قيادات الجماعة ووضعها تحت التحفظ بإدارة لجان مستقلة يشكلها مجلس الوزراء حتى صدور أحكام قضائية نهائية بشأن التهم المنسوبة للجماعة وقادتها والتي تتعلق بالأمن القومي. وفي زاوية أخرى من المشهد المصري المعقد، يتفق خبراء "ملف الحالة الدينية" في مصر، بمركز الدراسات السياسية التابع لمؤسسة الأهرام، أن جماعة الإخوان ستتجه في "لحظة ما" للدخول في عملية تفاوض براجماتية مع السلطة الجديدة بشكل يكفل عودتهم للحياة العامة لتكتسب مشروعية قانونية وسياسية لخوض الانتخابات البرلمانية، وربما يعلنون اعترافهم بالواقع الجديد، لكنهم سيبطنون خلاف ذلك لاستمرارهم سرا بتمويل ودعم التنظيمات التكفيرية التي تمارس الإرهاب لاستنزاف قدرات الدولة، وكانت هذه إحدى توصيات آخر اجتماع محدود على قيادات للتنظيم الدولي للإخوان بتمويل وتسليح التكفيريين. سلوك انتهازي لكن بعد صدور حكم قضائي يُلزم الحكومة باعتبار الإخوان جماعة إرهابية وحل حزبهم، فستعود الجماعة للمربع الأول كما كانت عليه في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ولأن الالتفاف والخداع وازدواجية الخطاب من منهج الإخوان وسلوكهم الانتهازي عبر تاريخهم، فقد حاولت الجماعة استقطاب قطاعات جديدة لصفوفها خاصة شباب الجامعات والحركات الثورية التي أثيرت حولها شبهات بتلقي التمويل والتدريب بعدة دول مثل جورجيا وبريطانيا وأميركا وغيرها، يعادون ما يطلقون عليه "حكم العسكر" و"الفلول" ومعهم "الإخوان" التي يرونها عبر خبرات التعاون معهم مرارا منذ 25 يناير 2011، أنهم يستخدمونهم ثم يتخلون عنهم كما حدث في المواجهات الدامية الشهيرة بشارع محمد محمود أمام مقر وزارة الداخلية وغيرها. صراع دام ومن هنا فلا يستبعد إخوان منشقون منهم ثروت الخرباوي وإسلام الكتاتني وغيرهما، أن تتسلل الجماعة عبر أحزاب تندرج تحت لافتة تيار "الإسلام السياسي" مثل "الوسط" و"الأصالة" و"البناء والتنمية" وغيرها، وأنه رغم اصطفاف جماعات جهادية خلف الإخوان الأمر الذي منحهم أوراق ضغط تدعمهم على الأرض، لكن المناخ الراهن غير مناسب وبيئة الصراع الدامي تعمق الاستقطاب، لذلك فالأمر مرهون بتغير الظروف، وأن تراجع الإخوان وتقديم اعتذار هو الشرط الحاكم لإجراء المصالحة، لكن هناك ثمة إجماع بأن الحوار ليس واردا في المدى المنظور، ما دامت الجماعة تواصل التصعيد وتتحدث عما تسميه "عودة الشرعية"، وتمارس العمل الحركي السري عبر استخدام هؤلاء "التكفيريين" كأدوات للضغط، دون أن تتحمل سياسيا "فاتورة الدماء" التي تراق. وهنا تجدر الإشارة إلى أن معلومات حللتها أجهزة الأمن، مفادها بأن غالبية عناصر الجماعات التكفيرية ينتمون لأسر فقيرة، ولا يملكون التمويل اللازم لشراء كميات هائلة من الأسلحة انهمرت عبر حدود مصر مع ليبيا، بل وصلت لأسلحة تمتلكها الجيوش النظامية كالمدافع المضادة للطائرات مثلا، وبالتالي يستخدمهم الإخوان عبر عمليات للتعبئة النفسية والحشد التنظيمي يحترفها الجناح القطبي المتنفذ بقيادة الإخوان، وفي مقدمتهم المرشد العام محمد بديع ونائبه خيرت الشاطر للرئيس المعزول مرسي، وصولا لأخطر القيادات الهاربة محمود عزت المقيم حاليا في قطاع غزة، رغم إنكار حركة "حماس" لذلك الأمر الذي رصدته الأجهزة المصرية ووثقته. تجربة التسعينات تبقى أخيرا الإشارة لضرورة استلهام تجربة العنف الدامية التي شهدتها مصر منذ 1991 حتى 1998، سبعة أعوام من الصراع الدموي بين قوات الأمن المصرية، وجماعتي "الجهاد"، و"الجماعة الإسلامية"، وقد رصدت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، وهي منظمة غير حكومية، أن 1357 شخصا من الأمن المصريين والجماعة الإسلامية ومدنيين مصريين، قتلوا في تلك المواجهات، لكننا حاليا حيال موجة إرهابية جديدة، تحول خلالها الإرهاب من شأن محلي لمعركة إقليمية، وتوافر ملاذات آمنة للإرهابيين الجدد في سورية وليبيا وغزة يمثل تحديا مصريا وإقليميا بالغ الخطورة يهدد حاضر ومستقبل المنطقة. وحتى كان يوم الجمعة الثاني من يناير 2004 تاريخا مهما في سلوك الجماعات الإرهابية الراديكالية التي اصطلح على تصنيفها تحت لافتة "الجهادية" و"التكفيرية"، حين أصدر قادتها عدة كتيبات أعلنت فيها بلغة صريحة اعتذارها عما اقترفته تلك الجماعات، وأكدت تلك الكتيبات التي اشتهرت حينها باسم "المراجعات": تحريم تغيير الحكومات القائمة بالقوة، وحُرمة قتل المدنيين أيا كانت معتقداتهم أو أديانهم أو مذاهبهم، لهذا فإن هذه التجربة تؤكد أن حسم المعركة ميدانيا، بالتوازي مع المضي قُدما في المسار السياسي، هو الحل الذي يستسيغه المنطق، وتؤكده خبرة التعامل مع هذه الجماعات، خاصة أننا بصدد معركة أكثر اتساعا، وأشرس في طبيعة الخصومة، لأن الأمر يتعلق بتنظيم دولي له أذرع على امتداد خارطة العالم كله وليست منطقة الشرق الأوسط، وتدعمها دول تمتلك إحداها المال، وتتمتع دولتان هما تركيا وإيران بطموح إقليمي لا يُستهان به، بل يفرض التكاتف بين الدول المعنية بالمعركة، وأقصد بها تحالف (4+1) أي مصر، و"رباعي الخليج"، الذي يشمل السعودية والإمارات والبحرين والكويت، فالمعركة لن تُحسم ببساطة أو في المدى المنظور، لكنها ربما تستغرق وقتا يطول أو يقصر ويتوقف على "التناغم الاستراتيجي" الذي يتبلور بالفعل بين أجهزة الأمن في دول التحالف الجديد، ومدى تصديها سياسيا للدول الداعمة للتنظيم الدولي، خاصة أن الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي بصدد مراجعة الموقف من الجماعة، ولعل القرار البريطاني هو أولى ثمار ممارسة الضغوط الدولية لفحص ملف الإخوان ومدى خطورة الجماعة عليها، لكن القرار الأميركي بشأن حظر تنظيم "أنصار بيت المقدس" ليس له قيمة، ما دامت تتلاعب بهذا الملف، لتجرم الفرع، وتستثمر في الأصل أي الإخوان، لكن "الضربة الاستباقية" المصرية الخليجية، أربكت حساب صناع القرار في واشنطن، ولعل الأيام المُقبلة تحمل مفاجآت في هذه القضية الشائكة، خاصة أن موسكو تتخذ مواقف مناوئة بشكل صريح ضد التنظيم الدولي للإخوان وتعده "أم الجماعات" التي واجهتها في البلقان والشيشان، وقبلهما في أفغانستان.. من يدري؟ سفينة الإرهاب وبحسب محللين فإنه لا يعلم أحد على أي ميناء سترسو "سفينة الإرهاب" عابرة الحدود، مؤكدين على جهود الدول التي تُدرك خطورة التنظيم، ولن تقف مكتوفة الأيدي طويلا حيال ممارسات بعض دول المنطقة، التي تمول وتؤوي وتدعم وتوفر غطاء سياسيا ومنصات إعلامية.