يُجمع خبراء سياسيون على أن روسيا، تنافح لأن تضع نفسها كقوة إقليمية، في مواجهة واشنطن، التي لطالما أخذت دور الدولة العظمى في العالم دون منافس، وقادها التفرد في الصوت الأعلى عالمياً، لأن توصف ب"شرطي العالم"، على مدى عقود مضت. وفي استطلاع أجرته "الوطن"، لم ترجح آراء سياسية، دخول روسيا في منعطف "كييف" ليكون متنفساً لها، وبالتالي تنكفئ عن توغلها في الأزمة السورية وقوفاً إلى جانب نظام دمشق، بل سيكون عاملاً مساعداً لتمددها في الملف السوري، وداعماً لتحقيق سياساتها الجديدة التي رسمتها على حساب القضية السورية. ويجد رئيس مركز الخليج للأبحاث الدكتور عبدالعزيز بن صقر، أن الانشغال الروسي في أوكرانيا لن يؤثر إطلاقاً على تدخل موسكو في القضية السورية، وسط تأكيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت الدكتور عايد مناع، أن موسكو قد تلجأ لاستخدام قوتها في الملف السوري، في حال تدخل الغرب بشكل مؤثر لدعم أوكرانيا، فيما يرى الباحث في العلاقات الدولية الدكتور عبدالله هاجس الشمري، انشغال روسيا في أوكرانيا، بأنه ليس بالضرورة أن يخفف من تدخلها في القضية السورية، من خلال قراءة السلوك السياسي الروسي، إذ يتضح عدم وجود تأثير كبير على المشاركة الروسية في سورية، بعد دخولها "القرم". ومع تصاعد المواجهات السياسية عالمياً، تظل الأرض العامل الأبرز في حسم الصراع الناشب في سورية منذ نحو 3 أعوام، حيث تعيش أطراف المعارضة على وقع وعود ب"التسليح"، لطالما "تبخر" الكثير منها، ومن تلك الوعود، التي ينتظر ثوار سورية تحقيقها، ما كشف عنه أمس، مستشار رئيس الائتلاف الوطني السوري منذر آقبيق ل"الوطن"، عن تلقيهم وعوداً "أوروبية"، بالحصول على مضادات للطيران، من شأنها تغيير ملامح المعركة على الأرض، مضيفاً "إيران هي العدو الأول للشعب السوري". في الوقت الذي تتنافس فيه القوى الدولية والإقليمية على ملف الأزمة السورية، ما بين أطراف تريد إغلاق هذا الملف، وأخرى ترى في استمرار الحرب قوةً لها، بشكلٍ غير مباشر، بصرف النظر عن المصالح. بات واضحاً أن هذا الصراع هو صراع نفوذ وقوى عظمى. التساؤلات تكثر حول إسهام الروس في هدر الدم السوري مقابل تسوية الملف السوري، وهل ستستخدم موسكو مزيداً من دماء السوريين لإجبار العالم على الرضوخ والقبول بها شريكاً دولياً لما يُعرف ب"شرطي العالم". لعل البعض يعتقدون أن نهاية التدخل الروسي في سورية، قد تكون مرتبطة بالتدخل الغربي الداعم لأوكرانيا، وتأثيره على موسكو التي ترى في القرم بعدين، أحدهما "اجتماعي" والآخر "جغرافي"، ناهيك عن الاقتصادي. بالمقابل تنظر روسيا إلى سورية على أنها موقع بالغ الأهمية، تعول على وجودها فيه أن يُعيد لها جزءاً مما فقدته جراء سقوط الاتحاد السوفيتي وتفككه في نهاية ثمانينيات القرن الماضي. لكن هل سيستمر الروس في هدر الدم السوري بشكل أكثر للضغط على الغرب، في حال تدخلهم في أوكرانيا، أم أن ساعة الانتهاء من تدخل موسكو في القضية السورية اقتربت لوجودها في القرم؟ فالملف يُقابل الملف الآخر. كل تلك التساؤلات لم ترجحها آراء السياسيين الذين يرون أن دخول روسيا في منعطف "كييف" قد يكون متنفساً لها، ومساعداً لتمددها في الملف السوري، وداعماً لتحقيق مطالبها التي رسمتها على ملامح القضية السورية. عدد من الآراء السياسية التي استطلعتها "الوطن" استبعدت أن يكون الانشغال الروسي في أوكرانيا، عاملاً لإبعاد موسكو عن الملف السوري، أو تقليل دورها ووجودها في صلب القضية السورية. أحد الساسة ذهب إلى استبعاد ذلك، كون التدخل الروسي في سورية يعد ذا بُعد استراتيجي ودائم، فيما قال رئيس لمركز خليجي للأبحاث، "إن الأوروبيين لا يملكون سوى الأوراق الدبلوماسية للضغط على الروس، مستبعداً أن توثر القضية الأوكرانية على تدخل موسكو في دمشق". احتمال التمدد بداية، يؤكد رئيس مركز الخليج للأبحاث الدكتور عبدالعزيز بن صقر، صعوبة الفصل ما بين القضايا الدولية وعلاقتها ببعض، مشيراً إلى أن الانشغال الروسي في أوكرانيا لن يؤثر إطلاقاً على تدخل موسكو في القضية السورية، لافتاً إلى أن ذلك قد يساعد حكومة بوتين لتحديد مطالبها في الملف السوري وأن تتمدد في الملف السوري بشكل أكبر. ويقول: "التدخل الروسي في سورية أمر مقلق بالدرجة الأولى للعرب، وللأوروبيين والغربيين عموماً بالدرجة الثانية. فالقضية الأوكرانية هي مصلحة غربية أوروبية وفي مواجهة مع روسيا، وفيما يتعلق بسورية فإن المصلحة عربية بالدرجة الأولى، ولا أرجح أن يستخدم الروس تدخلهم في سورية كورقة للضغط على الأوروبيين". الدبلوماسية الناعمة وحول الدور الأميركي في كييف، يرى ابن صقر أن واشنطن تلجأ لاستخدام القوة الدبلوماسية الناعمة، مستبعداً تطور الوضع إلى اصطدام عسكري بين الدولتين، بل مرجحاً أن تحدث بينهما مقاطعة دبلوماسية، وفيما يتعلق بالأوروبيين فيرى أن الأوراق التي يملكونها لن تزيد على ما تملكه أميركا، مضيفاً "روسيا تمتلك أوراقا قوية مع أوكرانيا. أما الأوروبيون فإن أوراقهم في الضغط هي أوراق دبلوماسية وبلا شك ستكون مزعجة للروس لكن لن تكون هناك مواجهة عسكرية". القوة الإلكترونية ويستبعد ابن صقر أن تستخدم الدول الطريقة التقليدية لحل الأزمة الأوكرانية، معداً القوة الإلكترونية والإعلامية هي المرجح استخدامها، مضيفاً "التصادم العسكري طريقة كانت في القرن العشرين وقد انتهت، اليوم القوة الإلكترونية من بعيد هي القادرة على حل كثير من المشكلات، والقوة الناعمة هي أقوى من استخدام الأسلوب التقليدي القديم". الحلول السياسية من جانبه، يُرجح أستاذ للعلوم السياسية بجامعة الكويت الدكتور عايد مناع، أنه في حال تدخل الغرب بشكل مؤثر لدعم أوكرانيا، فإن موسكو ستستخدم قوتها في الملف السوري، معداً أن الغرب يعاني أزمةً اقتصادية، هذا بالإضافة إلى التوغل في حروب العالم الثالث، التي كانت جميعها جالبة للخسائر بدون جدوى. مشيراً إلى أن روسيا قد تستخدم الملف السوري وتتمسك به أكثر، كون القضية السورية أكثر دموية من أوكرانيا، وتشهد سورية صراعاً وتنافساً قوياً، خاصة ما بين الأميركان والروس، إلى جانب الدول الإقليمية المتنافسة. ويقول روسيا تنظر لوجودها في سورية كعاملٍ يُعيد لها كثيرا من المواقع التي خسرتها مع سقوط الاتحاد السوفيتي، الذي تعتقد روسيا أنها وريثته الوحيدة، فقد خسرت مع انهيار الاتحاد كثيرا من المواقع، وسورية إضافة إلى أوكرانيا قد تكون للروس بمثابة بوابة للتفاوض مع الغرب وذلك للعودة إلى مفهوم احترام المصالح لكل الأطراف". ويستبعد مناع أن تدخل الدول الغربية في مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا بسبب القرم أو سورية، ويضيف "روسيا واثقة تماماً أن الغرب لن يخوض حرباً من أجل أوكرانيا، وأنه ليس على عجلة من أمره لإنهاء الوضع في سورية، بل إنهم لا يكترثون لاستمرار الصراع في سورية". ويتابع قائلاً "استمرار البقاء في سورية مهم جداً لروسيا التي ترى أهميتها القصوى وتعمل بكل جهد كي لا تخسرها، إضافة إلى إيران التي ترى بدورها في سورية بوابة مهمة لحليفها الاستراتيجي حزب الله اللبناني ولبعض مناطقها، ولذلك أستبعد استغناء الروس عن سورية". مساوئ التطرف واختتم حديثه قائلاً: "لو كان الروس يريدون أن يساوموا حول بقائهم في سورية لفعلوا ذلك خلال المدة الماضية عندما كان النظام السوري يخسر كثيرا من المناطق، والآن النظام السوري يبدو أنه بدأ يسيطر على بعض المناطق المعينة، والصراع السوري أصبح بين متطرفي الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" وجبهة النصرة المرتبط بتنظيم القاعدة، الذين باتوا يشكلون رعباً للعالم الغربي بالإضافة إلى الشعب السوري. وما تفعله القوى المتطرفة من تجاوزات أخلاقية ضد الشعب السوري، يلتقي عليها الغرب والشرق وبالتالي فإن استمرار الأوضاع الحالية يدعم النظام السوري الآن، ولا أعتقد أن الغرب سيتهور ويتخذ قراراً سريعاً لإسقاط النظام الحالي والإتيان ب"القاعدة" مجدداً مثل ما حصل في العراق لفترة طويلة". وجود استراتيجي أما الباحث في العلاقات الدولية الدكتور عبدالله الشمري، فيتفق مع الآراء السابقة، مشيراً إلى أن انشغال روسيا في أوكرانيا، ليس بالضرورة أن يخفف من تدخلها في القضية السورية، وقال: "من خلال قراءة السلوك السياسي الروسي الجديد، بالذات في عهد بوتين، فلن يكون هناك تأثير كبير على المشاركة الروسية في سورية". وأرجع الشمري ذلك لسببين رئيسيين، أولهما أن الوجود الروسي في سورية ذو بعد استراتيجي ودائم، وليس ردة فعل، ويذهب أكثر من ذلك عندما يؤكد أنها رؤية استراتيجية بحتة، ويضيف أن الاحتمال الثاني - وهو ما لم يرجح حدوثه - أنه إذا لم يحصل تطور مفاجئ في الموقف الغربي تجاه الوضع في أوكرانيا فهذا سيكون مؤثراً، مضيفاً "ثاني الأسباب احتمالية وقوعه ضعيفة جداً، ولا أرى أنه سيكون هناك نوع من الاصطدام العسكري أو تطور في الأزمة الأوكرانية، وفي ظل الوضع الحالي والمعطيات الموجودة لن يحدث أي تأثير بالنسبة للسياسة الروسية في سورية". استغلال القوة وعلى العكس مما يتصوره البعض، يرجح الشمري أن موقف موسكو في أوكرانيا قد يدفعها إلى التشدد في الأزمة السورية، كون روسيا قد تأخذ هذا نقطة قوة ضد الغربيين ودول المنطقة وأنه سيهددهم بالهجوم في مناطقهم أيضاً، مستشهداً بالهجمات الروسية الموجهة لعدد من الدول مؤخراً. ويقول "الموقف المتشدد الروسي في أوكرانيا قد يدفع موسكو في الوقت الراهن إلى زيادة التدخل في سورية، لإثبات وجودها وامتلاكها لأوراق قد تفاجئ بها الغرب في مناطق تمسهم. وأتمنى أن تحل الأزمة الأوكرانية بطريقة سلمية نوعاً ما، لأنها ستدفع المنطقة لزيادة التوتر والتشنج وتصعيد المواقف". ويستبعد الشمري أن تبتعد روسيا عن القضية السورية من أجل القرم، وتابع بالقول: "أوكرانيا بالنسبة لموسكو تشكل بعداً جغرافياً واجتماعياً وخطا أول لها مع العالم الخارجي، وحيوية البحر الأسود الذي يعد ملاذاً للأسطول الروسي. وأضاف "قد تتضرر روسيا من خلال إمدادات الغاز إلى الغرب والتي تمر عبر أوكرانيا، لكن كييف لن تضحي بما تبقى لها من أوكرانيا، ولن تضحي بمصالحها ما لم تحصل على دعم غربي كبير في هذا الجانب، مع العلم أن الغرب تأخر كثيراً في تقديم الدعم لأوكرانيا وضمان أن يكون الشرق الأوكراني على الأقل منجذباً سكانياً مع الغرب الأوكراني".