ما أن يتغير مزاج أحد الأشخاص حتى يعزو ذلك مباشرة لشيء من الحسد أو العين أو ما شابه ذلك، ولا غرابة في هذا الأمر؛ فالإنسان ابن بيئته ومحيطه الخاص، يتأثر بما يسمعه وما يراه، ويفسر ما حوله تبعا لثقافته وما تشبع به من أفكار وقناعات، أغلبها موروثة تنتقل من جيل لآخر، رغم أن جلها لا يستند لحقائق علمية، غير أنها اكتسبت قداسة وأهمية؛ جعلتها تتجذر وتقاوم المتغيرات عبر العصور. والواقع أن كثيرا من الحالات النفسية، وما يصاحبها من أعراض كالتوتر، والتوهان والحزن والخوف، وقلة والنوم وغيره، يتم تفسيرها على أنها ناتجة عن سحر أو عين، أو أي شيء في هذا السياق، أما الجانب النفسي فيكون مهملا؛ لذلك يتجه المريض أو يُوجه لطرق كل الأبواب في سبيل الشفاء، وهناك من يلج دهاليز الدجالين والمشعوذين، وينفذ ما يأمرونه به، ويعطيهم مقابل كذبهم ما يرضيهم من المال، بيد أن عيادة الطبيب النفسي تظل خارج الاختيارات، الأمر الذي يجعل حالة المريض تسوء وتتفاقم، وتتطور لمراحل تهدد حياة المريض. وبالمناسبة قد يشتكي أحدهم من توتر أو قلق عابر بسبب ظروف حياتية خاصة، لكن بسبب ما يستقبله من تحذيرات ونصائح توحي له بأنه ربما يعاني من مس شيطاني مثلا، أو عمل سحري، يدخل دوامة غير منتهية من الأفكار والتوقعات والتوجس التي حتما تؤثر عليه بشكل حقيقي، فيقع ضحية خيالات لا صحة لها، غير أن المجتمع يتداولها ويضفي عليها هالة تقوي تأثيرها في النفوس. حتى من يفشلون بمشروع تجاري أو علمي سرعان ما ينسبون فشلهم لعائن حسدهم على تميزهم، ومثلهم الذي يواجه مشكلات زوجية أو أسرية يهرب من الحل الممكن إلى التوهم والتوقع، ظنا منه أن هذا يعفيه ويبعده عن المشكلة التي ربما يكون هو صانعها وبطلها. وكي لا نكون في أقصى اليمين أو اليسار، لابد من التنبيه إلى أننا لا ننكر تأثير السحر والعين، فهذا شأن أشارت إليه نصوص شرعية، ولا مجال للجدال فيه لكن الثقافة السائدة التي لا تأبه بالاضطرابات النفسية رغم أنها هي الغالبة على معظم الحالات هي ما أردنا الحديث عنه.