يعرف بوشان الخرافة بأنها عبارة عن معتقدات غير منطقية تفتقر إلى الدليل الموضوعي والتجريبي ولكنها تستمر في المجتمع لفترة طويلة. والمفهوم العلمي للخرافة ، تعرف بأنها اعتقاد أو فكرة لا تتفق مع الواقع الموضوعي بل تتعارض معه وليس كل اعتقاد أو فكرة تتعارض مع الواقع الموضوعي تعتبر من الناحية العلمية خرافة ، ولكن يشترط في هدا الاعتقاد أن يكون له صفة الاستمرار ، فهو ليس مجرد خاطر طارئ لموقف وقتي أو تفسير عارض لظاهرة عرضية بل له وظيفة في حياة من يؤمنون به ويستخدمونه في مواجهة بعض المواقف وفي حل بعض المشكلات الحياتية. يبدو أن حال جرائم الشعوذة والخرافة دخلت أوساط المراهقين، الذين استطاعوا مرتادوها ومروجوها -ببراعة شديدة- ابتكار طرق مختلفة للنصب باستخراج الجن ، وشفاء الضعف الجنسي ، والشفاء من السحر والعين والحسد. المثير أيضا أن المراهقين بدأوا يشكلون نسبة عالية في مجال الجريمة ، ما جعل البعض يقول ان عصر المعلوماتية وجيل الفضائيات بدأ يثبت جدارته في تحقيق (ثورة من نوع خاص) في دنيا الاحتيال بالسحر وجرائم الدجل. وفي الآونة الاخيرة ظهرت لدينا ظاهرة تداول المراهقين والشباب لصور وافلام عبر الوسائط المتعددة للترويج عن هؤلاء المشعوذين وطرق اخراجهم للجن والشياطين وعلاج السحر والعين مما اصبح ايمان هؤلاء الفئة من الشباب اكثر يقيناً نظراً لقدرة المراهقين في الخلط بين العالم وبين التصورات والمأثورات والخيالات الشعبية القائمة على الخرافة والخيالات ، فهو -أي المشعوذ- يلعب على وتر تلك الخيالات عند البسطاء ، فيما يحاول بثقافته التي اكتسبها من المجتمع والواقع المحيط حل المشاكل بطريقة علمية كما يتصور وفي النهاية يسعى الى نشر تجارته عبر فئة الشباب والمراهقين والتي تصبح تجارته اكثر رواجاً بينهم. ومن ضمن دراسات المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر أشارت أولا إلى أن عدد المراهقين في مصر تعدى (35) في المئة ما يعنى أن أكثر من ربع المجتمع المصري من المراهقين ويصبح الأمر في طور الخطورة مع تأكيد الدراسة ارتفاع نسبة الجرائم التي يقوم بها المراهقون إلى (39) في المئة في العام 2003م مقارنة بجرائم المراهقين العام (1995م) التي لم تتعد نسبة (27) في المئة وقتها. وأشارت الدراسة نفسها إلى أن عالم العنف في أوساط المراهقين لم يعد استثناء ، وهو ما يعتبر مدخلا لجرائم كثيرة مختلفة بدأت تتكون مع (الاحتجاجات المجتمعية التي غالبا ما بدأ يلعب عليها كثيرا صغار السن في تنفيذ جرائمهم ومنها دخول جرائم المراهقين عالم (السحر والشعوذة) و (العلاج بالاعشاب) وابتكارهم أساليب حادة الذكاء في الإيقاع بضحاياهم , وربما الصدفة الحقيقية) التي أشارت إليها الدراسة السالفة هي ضلوع أكثر من (9,870) مراهقا (دون ال 18) خلال عام (2003م) في تنفيذ جرائم نصب واحتيال على شخصيات محلية وعربية بدعوى استخراج الجن من أجسادهم، أو تحضير العفاريت لتلبية متطلبات معينة للراغبين. وفي الحقيقة وبحكم عملي في مجال العلاج النفسي فإن نسبة لا تقل عن (70 %) من المرضى يذهبون في البداية إلى المعالجين الشعبيين أو المشعوذين قبل أن يفكروا في زيارة الطبيب النفسي ، ورغم انه لا يوجد دليل واحد على علاقة الشيطان بالأمراض النفسية فإن بعضاً من المتعلمين إلى جانب البسطاء لا يستطيع فهم الحقائق العلمية التي تؤكد أن غالبية الأمراض النفسية الرئيسية قد تم التوصل إلى معرفة أسبابها وأنها نتيجة تغييرات كيميائية في الجهاز العصبي ويمكن علاجها عن طريق تعديل الخلل الذي يعاني منه المريض باستخدام الأدوية النفسية الحديثة أو العلاج النفسي. ان ما يحتاجه شبابنا في هذه المرحلة هو تأسيس المنهج العلمي المنافي للخرافة فالعلوم هي طريقة اختبار الحقائق بحواسنا ، وهى تختلف عن السحر في أنها تتعامل مع قراءات وبيانات يمكن قياسها ويمكن إنتاجها والتنبؤ بها وتكرارها. العلوم هي أملنا الوحيد لكى نحيا حياة كريمة تستحق أن تعاش. بعد أن زور المأجورين من رجال الدين تاريخنا وأدياننا ، فالعلوم تحمينا من الجهل والنصابين والمزورين الذين يطلبون منا أن نلغى عقولنا ونغمض عيوننا ونصم آذاننا عن الحقائق حولنا ، السحر والشعوذة والدجل والحسد وغيرها , هي قوى غير طبيعية لا توجد إلا في عقولنا ، وهي طريق الضعفاء لإخفاء فشلهم واخفاقاتهم ، وكذلك الدائرة والخط المستقيم والقوانين العلمية. هي أيضا لا توجد إلا في عقولنا. ولكن لا أثر لها في أرض الواقع. نحن الذين قد اخترعناها لكى نفسر بها كيف تعمل الأشياء. فهل يمكن أن نثق في العلم كملاذ أخير؟.