تحول عدد من الشبان إلى مجال وظيفة «مقرئين» للتعامل مع المرضى الذين أصيبوا بمس جان، أو عين حاسد. وسرعان ما تحول عدد من العاطلين، إلى المهنة الجديدة، باعتبارها مربحة، وتدر مكاسب كبيرة، في وقت باتت المقومات التي تقودهم إلى تلك الوظيفة ليست إلا بعض الرتوش على المظهر العام. وفيما بدأ المقرئون الشباب الدفاع عن وظيفتهم، نافين التحايل على المرضى، أو استغلال حاجتهم، تداول الكثير من الشباب، مقاطع فيديو، عبر جوالاتهم، تتضمن مصطلح «قراء شعبيين»، يدعون قدرتهم على معالجة المرضى المصابين بالمس. وسارع استشاري نفسي، بالهجوم على هذه الفئة، مشددا على أنهم بفعلتهم: «يسعون للتغرير بذوي المرضى المصابين بمس وخلافه، وأنهم يبتزونهم تحت مظلة العلاج»، مشيرا إلى أن المرحلة الماضية، أفرزت مشعوذين يرتدون العباءة الدينية: «اتخذوا منحى جديدا في عالم القراءة والدجل بالترويج لأنفسهم من خلال ترويج مقاطع فيديو ينسبونها لهم، زاعمين فيها محادثة الجان، واستطاعتهم إخراجهم من أجساد البشر». ولفت الاستشاري المستشار النفسي ومدير مركز إرشاد بجدة الدكتور حاتم الغامدي، إلى أن هذه المقاطع بدأت تقتحم جوالات المراهقين، وبدؤوا يتظاهرون بها، نافيا أي علاقة بين ما يدعيه هؤلاء القراء، وبين ترويج المس على مسامع أهالي المرضى. وعرف الخرافة بأنها: «عبارة عن معتقدات غير منطقية تفتقر إلى الدليل الموضوعي والتجريبي، ولكنها تستمر في المجتمع لفترة طويلة، والمفهوم العلمي للخرافة، اعتقاد أو فكرة لا تتفق مع الواقع الموضوعي، بل تتعارض معه، وليس كل اعتقاد أو فكرة تتعارض مع الواقع الموضوعي، تعتبر من الناحية العلمية خرافة، ولكن يشترط في هذا الاعتقاد أن يكون له صفة الاستمرار، فهو ليس مجرد خاطر طارئ لموقف وقتي أو تفسير عارض لظاهرة عرضية، بل له وظيفة في حياة من يؤمنون به، ويستخدمونه في مواجهة بعض المواقف وفي حل بعض المشكلات الحياتية، يبدو أن حال جرائم الشعوذة والخرافة دخلت أوساط المراهقين، الذين استطاع مرتادوها ومروجوها - ببراعة شديدة - ابتكار طرق مختلفة للنصب باستخراج الجن، وشفاء الضعف الجنسي، والشفاء من السحر والعين والحسد». وأشار إلى أن المراهقين يشكلون نسبة عالية في مجال الجريمة، ما جعل البعض يقول إن عصر المعلوماتية وجيل الفضائيات بدأ يثبت جدارته في تحقيق تغيير من نوع خاص، في دنيا الاحتيال بالسحر والجرائم: «ما يتداوله المراهقون والشباب في الآونة الأخيرة لصور وأفلام ومقاطع فيديو عبر الوسائط المتعددة للترويج عن هؤلاء القراء وطرق إخراج للجن والشياطين وعلاج السحر والعين، مما تحول لإيمان هؤلاء الشباب بهم، يأتي ربما بسبب قدرة المراهقين على الخلط بين العالم وبين التصورات والمأثورات والخيالات الشعبية القائمة على الخرافة والخيالات، فالقارئ المشعوذ يلعب على وتر تلك الخيالات عند البسطاء، فيما يحاول بثقافته التي اكتسبها من المجتمع والواقع المحيط حل المشاكل بطريقة علمية كما يتصور، وهذا النوع ينشر تجارته عبر فئة الشباب والمراهقين والتي تصبح تجارته أكثر رواجا بينهم». ونفى المستشار النفسي أن تكون هناك علاقة للشيطان أو الجن بالأمراض النفسية، مستشهدا بدراسة مصرية أقرها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر، وأشارت إلى أن: «عالم العنف في أوساط المراهقين لم يعد استثناء، وهو ما يعتبر مدخلا لجرائم كثيرة مختلفة، وفي الحقيقة وبحكم عملي في مجال العلاج النفسي فإن نسبة لا تقل عن 70 % من المرضى يذهبون في البداية إلى المعالجين الشعبيين أو المشعوذين، قبل أن يفكروا في زيارة الطبيب النفسي، ولا يوجد دليل واحد على علاقة الشيطان بالأمراض النفسية، فإن بعضا من المتعلمين إلى جانب البسطاء لا يستطيع فهم الحقائق العلمية التي تؤكد أن غالبية الأمراض النفسية الرئيسية تم التوصل إلى معرفة أسبابها، وأنها نتيجة تغييرات كيميائية في الجهاز العصبي، ويمكن علاجها عن طريق تعديل الخلل الذي يعانيه المريض باستخدام الأدوية النفسية الحديثة أو العلاج النفسي، وما يحتاج إليه شبابنا في هذه المرحلة هو تأسيس المنهج العلمي المنافي للخرافة، فالعلوم هي طريقة اختبار الحقائق بحواسنا، وهي تختلف عن السحر في أنها تتعامل مع قراءات وبيانات يمكن قياسها ويمكن إنتاجها والتنبؤ بها وتكرارها». وبين الغامدي أن الشعوذة والدجل وغيرها، قوى غير طبيعية لا توجد إلا في عقولنا: «وهي طريق الضعفاء لإخفاء فشلهم وإخفاقاتهم، وكذلك الدائرة والخط المستقيم والقوانين العلمية، هي أيضا لا توجد إلا في عقولنا، ولكن لا أثر لها في أرض الواقع، نحن الذين قد اخترعناها، لكي نفسر بها كيف تعمل الأشياء، فهل يمكن أن نثق بالعلم كملاذ أخير؟».