رغم سنوات طويلة من الاجتهادات والمحاولات، يبدو أن الأندية السعودية، سواء تلك الحاضرة في دوري عبد اللطيف جميل أو دوري ركاء أو حتى في دوري الدرجة الثانية، - باستثناء قلة منها تعد على أصابع اليد الواحدة -، تسير في رحلة نحو المجهول وتتقاذفها "الريح" دون أن تكون قادرة على وضع أقدامها فوق أرضية صلبة تمكنها من تحقيق ما يرضي طموحات جماهيرها الرياضية التي باتت ترى بحسرة تلك العشوائية التي ألقت بظلالها القاتمة حتى وصلت إلى مستوى المنتخبات الكروية. ولم يعد يخفى على المتابع الرياضي الذي بات متسلحاً بالثقافة ومنفتحاً على ما يدور حوله بفضل وسائل إعلام وتواصل تنقل له كل صغيرة وكبيرة، إدراك الأسباب الحقيقية التي أسهمت ولعبت دورا رئيسا في ترسيخ هذا الوضع "القاتم"، دون أن تظهر على السطح أي بارقة أمل في تغييره أو في أسوأ الأحوال الشروع في إيجاد حلول أولية تضمن حدوث هذا التغيير ولو تدريجيا. هذا الإشكال أرجعه المختصون بشؤون رياضتنا المحلية إلى وضع إدارات الأندية الحالية، حيث رأوا أنه لا يخدم الرياضة السعودية من قريب أو من بعيد، وخاصة ما يرتبط باستمرارية رئيس النادي في منصبه لفترات طويلة دون ظهور أي نتائج إيجابية، بجانب اتكاء العمل على أشخاص وأعضاء محدودين. واعتبر المختصون أن هذا الوضع المتراجع لن يكون له مخرج على مستوى الأندية سوى بإعادة النظر في كيفية إدارة تلك الأندية، خاصة من حظيت بفترة رئاسية كافية، وهو ما دفع "الوطن" لفتح ملف رئاسة الأندية ومحاولة الوقوف على حلول للخروج من دائرة الإخفاق التي تلاحق أنديتنا.
نماذج مطلوبة في ظل الدعم الحكومي والخاص المحدود وزيادة احتياجات هذا النادي أو ذاك وغياب الحس الاحترافي الذي لا يعترف إلا بالمال، هناك حاجة ماسة لوجود رجال الأعمال وأصحاب المكانة الاجتماعية في المجتمع في أعلى هرم الأندية حتى ولو كانوا لا يمتون للرياضة بأي صلة، مع الإشارة إلى أن هناك نماذج مشرفة من رجال الأعمال خدمت وقدمت كثيراً من جهدها ومالها للرياضة السعودية، إلا أنه وعلى نفس الخط هناك في الجهة المقابلة وجه آخر يشكل أصحابه كابوساً على بعض الأندية ببحثهم عن شهرة وبريق لم يكونوا ليحلموا بهما سوى عن طريق اقتحام الرياضة، وخاصة كرة القدم. تلك النماذج نجحت بفرض حضورها لسنوات طويلة مستغلة نفوذها وسيطرتها على الانتخابات الرئاسية لمواصلة البقاء في كرسي الرئاسة لأعوام ربما تجاوزت بالنسبة للبعض ال20، دون أن تقديم ما يشفع لهم بالبقاء، بعيداً عن تحقيق لقب أو آخر، وهو ما يطرح تساؤلات عريضة بشأن ضرورة اكتفاء أي رئيس ناد وأعضاء إدارته بدورتين انتخابيتين كأقصى حد، لمنح الفرصة للوجوه الجديدة وتجديد حيوية الأندية.
الطويل: الحل في الخصخصة اعتبر الناقد الرياضي، اللاعب السابق وجدي الطويل، أن رئاسة أي ناد سعودي ترتكز على قاعدتين، الأولى أن يحظى الرئيس بدعم من أعضاء الشرف، وهم من يحددون مدى استمراره ومدى نجاحه، والثانية أن يملك القدرة المالية وأن يكون قادرا على تسيير أمور النادي خلال فترة رئاسته، معتبراً أن توفر هذين العاملين، بجانب عدم وجود بديل، قد يمدد فترة الرئاسة لكثير من الرؤساء، مؤيداً الوضع الراهن المتمثل في بقاء أي إدارة لفترة تستمر أربع سنوات، مؤكدا أن ذلك "مقنع بشكل كبير ومناسب لأحوال أنديتنا"، ومضيفا "لست مع تقليص الفترة الزمنية لرئاسة النادي لأنها ربما لا تؤتي بثمارها، فالخطط المرسومة من كل إدارة لا تظهر نتائجها عادة إلا بعد ثلاث سنوات، ولكنني مع تجديد فترة أخرى إذا كانت الإدارة ناجحة وقدمت ما يرضي الجمهور"، مشدداً على أن المشكلة لا تكمن في الإدارات ولكن في غياب الدعم المادي والعمل الإداري المحترف. وأكد الطويل أنه لتخطي تلك العقبات وتحقيق النجاحات كبقية أندية العالم لا بد من تحويل الأندية إلى شركات ومؤسسات ذات طابع إداري ومالي محترف "الخصخصة"، بالإضافة إلى البحث عن شركات راعية قوية تقوم بعملها بالشكل المطلوب لأن "ما أثقل كاهل أنديتنا هو الصرف الكبير وغياب الخطط المالية والإدارية واعتماد الأندية على أشخاص داعمين، وفي حال التغيير قد تتحمل الإدارات الجديدة مشاكل الإدارات السابقة وديونها ومشاكلها المالية؛ لأن كل إدارة تبحث عن النجاح بتسجيل مزيد من الديون دون النظر لتصحيح الوضع من خلال سياسة تسديد ديون سابقتها وتقليص المصاريف".
القروني: عمل غير منظم وصادق المدرب الوطني الكابتن خالد القروني على ما ذكره الطويل، بشأن أهمية الاستقرار الإداري، وهو أمر لن يتحقق إلا بوجود فترة كافية لكل رئيس وإدارة، بيد أنه ليس مع بقائها لفترات طويلة في غياب النتائج المرضية، مبيناً إن "توفر الوقت الكافي لأي إدارة لتحقيق توجهاتها وتطلعاتها سينعكس هذا على الأوضاع الفنية والإدارية لجميع فرق النادي"، مستدركاً "الفترة الزمنية المحددة بأربع سنوات كافية إذا كان هناك دراسة وعمل مخطط وجماعي، بيد أن المشكلة تكمن في أن إدارات الأندية تأتي لتبحث في سنتها الأولى عن تحقيق بطولة فقط من خلال تعاقدات خيالية مع لاعبين وأجهزة فنية بمبالغ طائلة تؤدي في نهاية المطاف إلى تراكم الديون وضياع الجهد في موسم واحد فتجدها تسقط سريعاً لأنها لم تعمل على بناء استراتيجية واضحة". مشترطاً وضع خطة زمنية لكل إدارة للوصول إلى أهدافها المنشودة من وجودها، واصفاً ما يحدث الآن في أنديتنا بأنه "عمل غير منظم"، من خلال غياب نهج إداري يضمن تواصل عمل الإدارة السابقة باللاحقة، موضحاً "ما نراه الآن هو أن كل إدارة تأتي لهدم ما بنته سابقتها بسبب مزاجية العمل القائم على جهود شخصية"، وأن الخصخصة التي يطالب بها كثيرون "لن تحل مشكلة الأندية إلا إذا أصبحت شركات مستقلة ولها كيانها الإداري والمالي، بعيداً عن كل الضغوطات لتتحقق النجاحات والأرباح وتتوقف مسألة هدر الملايين التي بالغت فيها أنديتنا كثيراً". وشدد القروني على أن التطور المنشود لن يحدث وسيستمر الهدر المالي وتراكم الديون وتكرار الإدارات، طالما استمر العمل بهذه الطريقة، مقترحاً لحل هذه الفوضى "تدخل الجهة المشرفة على الأندية وهي الرئاسة العامة لرعاية الشباب، بتنظيم العمل من خلال تعيين موظفين رسميين تابعين لها في الأندية على وظائف سكرتارية وأمين صندوق وأمين ناد يرتبطون مباشرة بالرئاسة لمراقبة العمل المالي والإداري، وإرسال تقارير سنوية عن الأداء الإداري في كل ناد"، مبيناً أن خطوة كهذه "ستضبط الإيقاع في أنديتنا لأن من يؤدي هذه الأعمال حالياً أشخاص ربما لا يملكون الخبرات الكافية في هذا المجال ووضعهم مرتبط بإدارات أنديتهم وبذلك سنرى من يستحق الاستمرار أو الرحيل".
الرياضة "صناعة وتجارة" لم تغفل "الوطن" نقل صوت جماهير تلك الأندية، خاصة وهي تمثل ركنا مهما في الهرم الرياضي، حيث أكد محمد الغبيري الحاجة الكبيرة لوجود رجال المال والأعمال على هرم إدارات الأندية، مشترطاً أن يكون لديهم دافع لتطوير الرياضة حتى ولو طالت مدة بقائهم لبعض الشيء، وإن عاد ذلك عليهم بالفائدة فالرياضة في كل أنحاء العالم صناعة وتجارة، مبدياً عدم ممانعته "تملك الأندية للتجار والمؤسسات الخاصة مع الرقابة المباشرة من الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وإمكانية تغيير اسم النادي إلى اسم الشركة الخاصة التي ستملك النادي طالما سيخدم ذلك النادي والرياضة"، متسائلاً في الوقت ذاته إن كانت عقلية الرياضيين وكذلك الجمهور الرياضي ستستوعب خطوات تغيير مماثلة، مطالباً الجميع "بالابتعاد عن الشخصنة وترك الأمور لرجال الأعمال والبيوت التجارية طالما سيعود ذلك بالفائدة على الأندية والرياضة بشكل عام". ولم يعارض المشجع عبد السلام الحمداني، وجود رجال الأعمال رياضيا، بيد أنه اشترط قبل ذلك تهيئة ظروف الاستثمار في الأندية حتى تعم الفائدة المشتركة بين التاجر والنادي، إضافة إلى توفير البنية التحتية للأندية من ملاعب تدريب وصالات رياضية ومقرات إدارية ومحلات استثمارية، مستطرداً "بعدها نكون قد هيأنا أمام رجال المال والأعمال فرص الاستثمار لأن المستثمرين (رؤساء الأندية) أو الشركات حينها سيكون عملهم هو كيفية تطوير الجانب الاستثماري الذي يعود بالفائدة عليه، وعلى النادي، وهذا ما نشاهده في كل أندية العالم"، وعاد للقول بأن الوضع الحالي المتمثل في استمرار بعض إدارات الأندية لسنين طويلة دون أن تقدم ما يشفع لها، يكشف أن بعضهم يأتون إلى الأندية بهدف الظهور والبحث عن الشهرة فقط، مطالباً بضرورة أن تتم الرقابة والمحاسبة وحتى الإبعاد إن اقتضى الأمر لمن لم ينجح منهم في تقديم ما يشفع لهم بالبقاء. رؤساء أندية كتبوا التاريخ لا يغفل تاريخ الرياضة السعودية أدوار أسماء كبيرة لرؤساء أندية ضحى أصحابها بجهودهم وأموالهم وأفكارهم في خدمتها لسنوات طويلة حتى بات ذكرهم يؤنس الجماهير الرياضية بمختلف ميولها، ومن الوفاء هنا الوقوف على مسيرتهم الرياضية، حيث يأتي في مقدمتهم الأمير عبدالله الفيصل الذي عمل على تأسيس الرياضة السعودية فكان ممن ساندوها في لحظات ولادتها، ويعد الراحل أيضاً الداعم الرئيس والأول للنادي الأهلي، وتبنى الاهتمام به بعد استقالته من وزارة الداخلية عام 1960، ويعتبر الأمير هو مؤسس الرياضة السعودية. كما يبرز اسم الأمير عبدالرحمن بن سعود الذي ارتبط اسمه بنادي النصر وتولى رئاسته عام 1383 وحقق معه ألقاب بلغت الرقم 25، وقضى الأمير الراحل أكثر من ثلثي عمره في خدمة النادي، وعشقه مشجعو النصر بشكل كبير حتى توفي عام 1425، وهناك أيضاً رئيس نادي الهلال السابق الأمير عبد الله بن سعد الذي بدأ حياته الرياضية في رابطة الهلال عام 1397 وتدرج فيها من عضو إلى نائب رئيس ثم رئيس عام 1402، قبل أن يعين نائباً لرئيس نادي الهلال موسم 1403- 1404 وبقي في منصبه حتى عام 1410، وخلال تلك الأعوام السبعة حصل الهلال على 9 بطولات، وتوفي رحمه الله عام 1415 إثر حادث مروري وهو متجه لعنيزة لحضور مباراة للهلال أمام النجمة في الدوري. ويأتي رئيس نادي الاتفاق الحالي عبدالعزيز الدوسري كأقدم رؤساء الأندية في المملكة، وهو مرشح لدخول موسوعة "جينس" للأرقام القياسية كأقدم رئيس نادي في العالم، حيث تولى رئاسة النادي عام 1981 وحتى عام 1996 ومن ثم عاد لرئاسة النادي عام 2002 ومستمر حتى الآن، وحقق الاتفاق في عهده 11 بطولة من أصل 13 في تاريخ النادي، مما دعا الرياضيين لتسميته ب"الرئيس الذهبي" لنادي الاتفاق.