منذ عدة أشهر دخلت الجالية البرماية قصة إيجابية تمثلت في بدء عمل لجنة تصحيح أوضاعهم، وشارفت على الانتهاء مع ثبوت تصحيح 219659 برماويا في الإحصائية النهائية للمتقدمين للجنة، إلا أن هذه القصة لم تكتمل مع ظهور 3026 حالة عالقة تتمثل في وفاة الأبوين، وعدم القدرة على إثبات ومعرفة الآباء، إلى جانب وجود من يحتاج الى إعادة النظر في الشهود، واكتشاف نحو 500 مصاب بأمراض وبائية ومعدية. يقول المشرف العام على مشروع تصحيح أوضاع الجالية البرماوية عبدالله علي آل قراش، في حديث إلى "الوطن"، إن الحالات العالقة أحيلت إلى لجنة النظر لدراستها لبحث أوضاعها، فيما تتابع اللجنة معالجة الحالات المرضية بحرفية وبصورة دقيقة. وأثنى على رؤية أمير منطقة مكةالمكرمة السابق الأمير خالد الفيصل في تحقيق هذا المشروع الفريد من نوعه عالميا على أرض الواقع، مشيدا بمتابعة وكيل إمارة منطقة مكةالمكرمة الدؤوبة وجولاته وزياراته المفاجئة على مقر المشروع؛ لتحفيز الهمم والتأكد من سير الأعمال. المواقف الإنسانية وسرد المشرف العام على المشروع الكثير من المواقف الإنسانية والطريفة التي أفرزتها لجنة تصحيح أوضاع الجالية البرماوية وتمت معالجتها، منها حدوث حالة ولادة حينما دخلت إحدى المستفيدات لمقر اللجنة، فشعرت بالمخاض وقبل ذهابها إلى المستشفى باشرت إحدى الممرضات السعوديات الموجودات في المشروع عملية الولادة التي تمت أمام باب المقر في سيارة زوجها. وأوضح بأنه يوجد فريق متخصص من الشؤون الصحية بالمنطقة، تستغرق مناوبتهم 16 ساعة يوميا، ومكون من أطباء وممرضين وممرضات، إضافة إلى وجود جمعيات خيرية تدعم بالعلاج الوقائي من الأمراض المزمنة كالسكري والضغط، ومنها جمعية زمزم، وجمعية شفاء طيلة الست عشرة ساعة اليومية. تمتمة مسن وتحدث آل قراش عن موقف آخر، حينما دخل في يوم من الأيام للمقر رجل يبلغ من العمر أكثر من 80 عاما وكان يتمتم، فاعتقد الجميع أنه يعاني من شدة البرد، فتم إغلاق المكيف وذهب إلى الكبينة وهو يتمتم فاستغرب كل الموجودين من حركة التمتمة ليتضح فيما بعد من المتابعين، أنه كان يستغفر الله. وقال المقربون منه، إن هذه هي طبيعته وهو زاهد في أمور الدنيا، وتميز بهذه الصفة النبيلة التي تؤكد قوة الورع والتقوى اللذين يتحلى بهما. الفقر الشديد وتطرق آل قراش لإحدى المستفيدات التي حضرت لمقر المشروع ولديها طفلة بها تخلف بسيط، وتريد أن تعالج وضعها، قائلا: لاحظنا حينما قدمنا للطفلة قطعة بسكويت طريقة أكلها العجيبة وبنهم، وكأنها لم تأكل من سنين عدة، فاتضح لنا أن الطفلة لم تأكل بالفعل من عدة أيام؛ نتيجة الفقر الشديد الذي تعاني منه هذه الأسرة. ومصدر الاستغراب هو طريقة أكل الطفلة، الذي كشف لنا معاناتها، وبفضل من الله قامت جمعية البر الخيرية بمكةالمكرمة بمساعدتها، وكذلك بتقديم وجبات لجميع المراجعين بصورة يومية، إذ يتم تقديم 2000 وجبة يومية في تمام الساعة الحادية عشرة من كل يوم. كما تم رفع الحالة لوكيل الإمارة بعلاج الطفلة بدار الرعاية الاجتماعية بمكةالمكرمة، وتم قبولها بتقديم العلاج لها ضمن منظومة الأجانب الذين سمح لهم المقام السامي بنسبة 10% من المقيمين في المملكة. وأشار المشرف على المشروع إلى أن الوجبة التي تقدمها جمعية البر بمكةالمكرمة عبارة عن أرز وكباب وعصيرات وماء، وتدعم جمعيات أخرى بالماء كجمعية إحسان، وجمعية كفاية، وجمعية عناية، إذ تقدم خدماتها بصورة يومية، ويتم استهلاكه بصورة شاملة. الصيام المتواصل وتحدث آل قراش عن رجل مسن عندما جاء لتصحيح وضعه، قدمت له القهوة فقال حفيده: إن جده صائم من 20 سنة، ولا يفطر إلا في يوم العيد وأيام الجمعة وجميع الأيام يصومها، وعندما ترى هيئته تشعر بمرضه، وبالرغم من إصابته بجلطات وتحامله على سوء أحواله الصحيه، فإنه حريص على الصيام المتواصل. ويقول آل قراش: لم أتمالك نفسي إلا أن قمت بتقبيل جبينه، وهو لا يحتاج مني القيام بذلك، ولكنني قمت بذلك تقديرا لورعه وتقواه في هذه الحياة، فرغم كبر سنه ومرضه، إلا أنه زاهد في هذه الحياة، ويتحامل على هذه الأعباء بتأدية الصيام لكسب الأجر والمثوبة من رب العالمين، فهنيئا له هذه الميزة التي اعتاد عليها في حياته وتمتعه بتأديتها والتلذذ بالمعاني النبيلة لديننا الإسلامي الحنيف. أطفال بلا عائل وكشف آل قراش عن وجود الكثير من الأرامل اللائي لا مأوى ولا عائل لهن وسط الجالية البرماوية، والأيتام من الأطفال الذين فقدوا الآباء والأمهات معا، فهناك عائلة فقدت الأب وبعد شهرين من وفاته ماتت الأم التي لحقت به بعد ذلك، وتركت هذه الأسرة خمسة أطفال "ثلاث بنات وولدين"، وكان يتابعهم أحد أبناء الجالية، الذي قدم لهم غرفة في سطوح أحد الأماكن، وتعاقد مع مطعم بالحي يقدم ثلاث وجبات يومية لهم، وليس لهم أي عائل، وعندما تقدموا إلينا عن طريق هذا الشخص الذي كان يتابعهم لعدم وجود أي قريب لهم، تم عرض هذه المأساة وعولج وضعهم من ناحية الإقامة، والرفع إلى الجمعيات الخيرية، إذ إن هناك توافقا كبيرا لدينا مع المدير العام للشؤون الاجتماعية بمنطقة مكةالمكرمة عبدالله آل طاوي، لقبول مثل هذه الحالات ودمجهم ضمن برامج الخير الموجودة بالشؤون الاجتماعية بالمنطقة ومساعدتهم. الدور الإنساني وقال: لا شك في أن المواقف الإنسانية تدل وتبرهن على دور اللجنة الإنساني، مضيفا لو كانت المسألة مجرد موضوع إقامة، كان بإمكان أفراد الجالية الحصول على الإقامة من الجوازات وفقا للنظام ودون تكوين اللجنة وتنتهي القضية، ولكن المعالجة التي تقوم بها اللجنة هي معالجة اجتماعية يومية، بالتواصل مع الهيئات الطبية والجمعيات الخيرية والمسؤولين، واكتشاف الحالات التي تحتاج للمساعدة، وتتطلب التدخل الإنساني قبل أي تدخل آخر. مكرمة عظيمة وعن دور اللجنة في الجانب التربوي، أفاد آل قراش بأن كل القضايا التي تتعلق بالمجال التربوي والتعليمي لآباء الجالية تتم معالجتها ببرنامج تربوي متكامل، فقد تم إشعار إدارة التربية والتعليم لتهيئة الدراسة للطلاب والطالبات، لاستمرارهم بالمدارس ريثما يتم إنهاء إجراءات الإقامة الخاصة بهم، وهنالك عدد منهم حصلوا على الإقامات وإدارة التربية والتعليم تقوم حاليا بترتيب أماكن وبنسب معينة على مستوى المنطقة بجدة ومكة. وحول الجانب الصحي الشائك قال، إنه كان بالفعل شائكا، ولكن بفضل من الله صدر توجيه إمارة المنطقة على ثلاثة أوجه: الأول: من يمرض أثناء التصحيح يعالج على حساب الدولة وبمختلف المستشفيات. والثاني: من تكتشف لديه حالة مرض وبائي ومعد، تُرفع أسماؤهم إلى الإدارة العامة للشؤون الصحية بالمنطقة، ولديها برنامج معد وجاهز لمعالجة مثل هؤلاء الأشخاص، ويعاملون كالمواطن السعودي، ويتم إجراء الفحوصات الطبية لهم بصورة متكاملة، والتعامل معهم بحرفية بمختلف المستشفيات التابعة لوزارة الصحة. والثالث: من يمرض وهو يحمل الإقامة، فيعالج بحسب هويته الموجودة إما على حساب الشركة أو على حساب الجهات الأخرى، وهذا الأمر لم يكن موجودا وعدم استفادتهم من هذا الجانب لعدم حمل بعضهم للهوية أو انتهاء إقاماتهم، ولكن هذه المعالجة ولله الحمد تمت خلال الأشهر الأربعة، فلا يوجد أي مقيم برماوي لديه أي مرض كان إلا ويتابع صحيا ومن الجوانب كافة. الجهات المشاركة واستعرض آل قراش دور الجهات المشاركة في مشروع تصحيح أوضاع الجالية البرماوية، والمتمثلة في وزارة الصحة، وفرع وزارة العمل، وجوازات منطقة مكةالمكرمة، ومكتب مركز المعلومات الوطني، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة الشؤون الاجتماعية، وشرطة العاصمة المقدسة، إضافة إلى الوحدات العاملة داخل مقر مشروع تصحيح الأوضاع، والمتمثلة في مركز الإشراف العام ومكتب شيخ الجالية البرماوية والأمين العام، من التحقيق في الكبائن والاستقبال والتدفق على الكبائن والتعديلات والتدقيق والملاحظة والإجراءات النهائية لتسليم أوراق التعريف، وتوزيع الاستمارات على المستفيدين حسب الكبائن، إلى وحدة الرعاية الصحية من الجمعيات الخيرية والأمن والتفتيش عند المدخل، ووحدة استخراج الصكوك من المحاكم "إثبات زوجية + البنوة+ الإعالة"، ومكتب تنسيق العمل والتوظيف لأبناء الجالية، ومواعيد استصدار الإقامات والتدفق لصالة الجوازات لاستصدار الإقامات، والتدقيق في الملفات قبل الدخول إلى موظف الجوازات، ووحدة استخراج الإقامات والإجراءات النهائية والتوثيق والبوفيه والضيافة وتوزيع الوجبات الساخنة للمستفيدين عند الخروج ومركز المعلومات والأرشفة وتنظيم الطوابير الخارجية للمستفيدين والرقابة في صالة الرجال، إضافة إلى وحدات العمل عند النساء والمشتملة على وحدة الاستقبال والتفتيش في الصالة النسائية ووحدة التطعيم والرعاية الصحية من الجمعيات الخيرية والمطابقة على صور النساء والمراقبة وجميعها في صالة النساء. التصحيح التاريخي وأكد المشرف العام على المشروع، أن التصحيح التاريخي والمرحلة الذهبيّة لتصحيح أوضاع الجالية البرماوية، وتمّ تكليف الإدارة العامة للحقوق العامة بإمارة منطقة مكةالمكرمة بدراسة هذا الملف، واستمرّت الاجتماعات وورش العمل مع الجهات ذات الاختصاص، ومع شيخ الجالية، ومجلس الجالية البرماوية، وإعداد التصورات والدراسات اللازمة، موضحا أنه في عام 1433 شكلت لجنة "دراسة وتصحيح أوضاع الجالية البرماوية المقيمة بالمملكة العربية السعودية".