وضعت العنوان أعلاه وصفا لحالتي في "الواتس أب" مختبرا قبول المحيطين، ورغم كونه - في المقام الأول - شأنا خاصا بي، إلا أنه تم رفض العنوان تماما، وتراجعت بناء على طلب الكثير عن حالتي، ولكن حالي باق كما هو وأبدلتها بصورة لي وأنا ألبس ثياب العمرة أديتها مؤخرا، فانتقل الغضب إلى الرضا والإعجاب! وعادت المياه لمجاريها! ما كتبته لم أقصد به استفزازا بل قصدت أن يبحث القارئ عن مفردة الليبرالية من خلال تعريف من أنشؤوها أو كما عرفها أحد رموزها عندنا ببساطة: "عيش ودع غيرك يعيش". ومن المؤسف أنه تم تشويه المصطلح النبيل كثيرا بسبب منتدياتها التي تضج بالانحلال، أو سلوكيات البعض من دعاتها أو تشنيع بعض الخطباء والدعاة عليها - عفا الله عنهم يوم يلقونه -، وقد ساهموا في الانغلاق والممانعة لمجتمعاتهم! أليس من الخطأ أيضا أن نمرر عيوب الممارسة على المبدأ ذاته، فحقك أن تتكلم وأن تفكر، وأن تعتقد كما تريد، فكل ذلك تنويعات أخاذة على كمال الحرية. أعرف كيف يتم التدجين واستلاب الوعي ليعمل العقل ضد وعي صاحبه ليرفض حقه ويصيح بأعلى صوته: لا أريد حقي، لا أريد حريتي، لا أريد أن أصبح حرا! كما سمعت ممن ناقشوني بأدب فقال أحدهم: أنا أريد عبوديتي، وهو محق فأن تكون حرا وتفكر بحرية وتطرح أسئلة؛ أمر صعب ومخيف بل هو بداية الشقاء الرفيع! أليس من الصواب عدم رفض المبدأ لمجرد عيوب الممارسة، كما يردد أبناء المدرسة الأخرى التي هي على النقيض تماما منها! أليس من المؤسف أن تغير رأيك في رجل بسبب رأي تبناه وقد خبرت عن قرب منه بعض الصلاح والاستقامة ولا تكلف نفسك البحث عن الرد بأدب عليه وتكتفي بالسماع فقط! أليس من المؤسف أن تطالبه بإخفائه رأيه والظهور بغير ما يتبناه.. أي كن منافقا يظل المجتمع راضياً عنك! وأفضل لنفسي ولكل من ينتمي للثقافة والفكر ويعنى بهما قيمتي الصدق واللا انتماء وألا يتعصب لتيار معين، فالتعصب كما يقال يحجبنا ويحجب عنا، ولكن إن كان الانتماء على سبيل التنوع والتعددية التي لا تلغي الآخر وتقصيه فهذه حقه وإن كنت أرى اللا انتماء أفضل وأشمل، وأشير هنا لكتاب جميل قرأته بعنوان اللا منتمي "لكولن ولسن" بقراءته قد أفادني حقا نحو اللا انتماء. لذا ينبغي أن تكون رؤيتنا للحياة ليست شيئا واحدا بل خليط من تيارات عدة ففيها الديني أو الحياتي أو الفكري لأن المنطق الحدي: أي الصواب المطلق في جانب أو الخطأ المطلق في آخر يقودنا نحو الرأي الأوحد الذي أنتج عنفا وإقصاء ومن هنا كان الاقتتال، ومن ثم التخلف عن الأمم المتحضرة كما نرى ونتألم، ولم يعد أمامنا إلا أن نقبل التعددية على اعتبار الاختلاف ثراء، بينما التشابه لا يعني سوى المزيد من النسخ المكررة والخواء! وأن نعرف كيف نتعامل مع من يختلف عنا، ليس فقط بقبوله فهذه مرحلة متأخرة؟ وإنما أن نبدأ في الإصغاء إليه.! أما حقيقتي فهي ليست حالتي أعلاه بل ما قاله جدي ابن خفاجة الأندلسي: غيري من يعتد من أنسه... ما نال من ساق ومن كأسه وشأن مثلي أن يرى خاليا... بنفسه يبحث عن نفسه