من منا لا يشتاق لضحكة مؤلمة تخدش قلبه وتمزق أحشاءه الساكنة فتتركها في اهتزاز مستمر ممسكاً خاصرته من شدة الضحك كي يبقى متماسكاً ولا يسقط على الأرض من شدة القهقهة، ووقع الموقف المضحك على عضلاته المشدودة نتيجة الجدية والصرامة وعدم القدرة على التعاطي مع مثل هذه المواقف بمرونة أكثر بسبب مزاجه السيئ ونفسيته المتقلبة.. لما كل هذا التجهم والكدر الذي يلازمنا في أحيان كثيرة من مراحل حياتنا، فقد تمر على أسماعنا نكتة عابرة من أحدهم فتلتطم بنا كأصنام محنطة دون أن نتركها تترك أثراً مضحكاً أو ابتسامة رضا عن مرورها الجميل الذي لامس أرواحنا الكئيبة. استغربت كثيراً ذات يوم من إحدى المواقف الساذجة التي لا تستحق حتى الابتسامة لها، لكني في تلك اللحظة توقفت عن التنفس من شدة الضحك المتواصل شعرت أني كنت بحاجة لفك عقدة التجهم والكدر لأبدأ بالضحك من أعماق قلبي، فجعلت من ذلك الموقف الذي لا يدعي الضحك سبباً في رفع صوتي بقهقهات عالية ومتواصلة، محدثة تمارين لياقية لعضلات وجهي المتصلبة.. فشعرت بعدها بخفة روحي واسترخاء عضلاتي، وانشراح فؤادي وتحليق ضحكاتي. لو تأملنا ولو للحظة لاكتشفنا أهمية الضحك النفسية والصحية وكيفية قدرته على تحسين أمزجتنا المتقلبة، والرفع من الروح المعنوية والتقليل من حدة التوتر النفسي وضغوطات الحياة اليومية وتوسيع الشعب الهوائية، كما يساعد على علاج الكثير من الأمراض المستعصية لأنه وببساطة عنصر سعادة يدخل الفرح إلى القلوب المريضة فتتعافى، والنفوس التعيسة فترفل فرحاً وسعداً. يا لسذاجتنا نتظاهر بأن النكت لا تضحكنا وأن أرتال المواقف المضحكة لا تحرك ساكناً في خواطرنا المشبعة بضجيج لا يهدأ، وفوضى لا تنضب. ما كل هذه الضراوة التي تعتصر أفئدتنا الخاوية من معالم الجمال الروحي، معلنين الاعتصام أمام بسمات الحياة البريئة، مكشرين بأنيابنا نحو ماضٍ قد مات وحاضر يعلن احتضاره أمام جمهور الحياة ومستقبل ما زال عالقاً في بطن الغيب ولم يلد بعد. اضحكوا يا عباد الله وجملوا كاميرات العمر بأشهى الصور وأعبقها، فما الحياة إلا ابتسامة صادقة تعانق شفاة أطفالنا وتربت على أكتاف شبابنا، وتؤنس غربة كهولنا وتبرج ملامح أيامنا وتطليها بأجمل الألوان.. يقول (أنيس منصور): "لا ترهق نفسك في هذه الدنيا، فلن تخرج منها حياً" أزيلوا وشاح الحزن واضحكوا لحدود الأمل وطرزوا ابتساماتكم بسعادة لا تهرم وفرحٍ لا يشيخ..! "دمتم ودامت ضحكاتكم في تعالٍ مستمر".