وأنت تتجول بين أروقة مدرسة الأمير سعود عبدالمحسن بجدة تشعر أنك خارج اللحظة التاريخية. الكل هنا يتحدث العربية الفصحي مدرسين وطلاباً، القرارات الشفهية تلقن بلغة الضاد، التفاهم والنقاش بين المدرسين والطلاب باستخدام الفصحى فقط، حتى الضيوف القادمين لزيارة المدرسة سواءً كانوا أولياء أمور أو موجهين عليهم الحديث بالعربية إن أرادوا إتمام ما جاؤوا بشأنه. التخاطب بالعربية واجه استحسان الكثير من أولياء أمور الطلاب، كما يشير إلى ذلك مدير المدرسة علوان عامر علوان في حديثه إلى "الوطن"، الذين رأوا بوادر إيجابية في مستويات أبنائهم الدراسية والأخلاقية، ويمكن الإشارة إلى أن علماء اللغة النفسيين كشفوا منذ حوالي أربعين عاماً أن لدى دماغ الطفل قدرة هائلة على اكتساب اللغات، وأن هذه القدرة تمكنه من كشف القواعد اللغوية كشفاً إبداعيّاً ذاتيّاً، وتطبيق هذه القواعد ومن ثمَّ إتقان لغتين أو ثلاث لغات في آنٍ واحدٍ. وأن الطفل في هذه المرحلة يعمّم القواعد بعد كشفها حتى على الكلمات التي لا تنطبق عليها ثم هو يصحّح تصحيحاً ذاتياًّ هذا التعميم الخاطئ. وكشف لينبرغ (1967) أن هذه القدرة لاكتساب اللغات تبدأ بالضمور بعد سن السادسة، وتتغير برمجة الدماغ تغييراً بيولوجيّاً من تعلم اللغات إلى تعلم المعرفة، ولذلك أكدوا أن مرحلة ما قبل السادسة مخصصة لاكتساب اللغات، ومرحلة ما بعد السادسة مخصصة لاكتساب المعرفة. منذ أيام أنهى 36 معلماً من مدرسة الأمير سعود بن عبدالمحسن الابتدائية بجدة، دورة طرق تدريس اللغة العربية للطلاب، التي تأتي ضمن تطبيق مشروع مهارات التحدث باللغة العربية الفصحى من قبل وزارة التربية والتعليم تنفيذاً لرؤية خادم الحرمين الشريفين للارتقاء بلغة الضاد. وتعد المدرسة أول مدرسة على مستوى محافظة جدة يطبق فيها البرنامج، ويؤكد علوان ل"الوطن" على أن تأهيل معلمي المدرسة لطرق تعزيز اللغة العربية تم على مرحلتين متتاليتين، ضمن جهود وزارة التربية والتعليم في محاربة التهجين اللغوي، مشددا على أن مكافحة التدهور اللغوي تبدأ من الصغر، فحينما يعتمد الطلاب من الصفوف الدنيا أو العليا في المرحلة الابتدائية على أهمية اللغة الأم، ويمارسونها تطبيقاً واقعياً في حياتهم الدراسية والعملية سينتج جيلا متمسكا بلغته العربية. ويقول علوان إن هناك طريقتين لتحصيل اللغة العربية الفصحى بين الطلاب، الأولى قبل السادسة من العمر، وهي الطريقة الفطرية التي يكشف الطفل فيها القواعد اللغوية ويطبقها دون معرفةٍ واعيةٍ بها. أما الطريقة الثانية فتبدأ بعد السادسة من العمر وهي الطريقة المعرفية الواعية، والتي لا بدّ فيها من كشف القاعدة للمتعلّم وتدريبه على ممارستها تدريباً مقصوداً ضمن خطة منهجية.