تجددت المخاوف في اليمن من احتمال اندلاع حرب سابعة في محافظة صعدة (شمالا) يظل طرفها الأساس "الحوثيون"، فيما تبدل خصومها اليوم بعد أن غابت الدولة بجيشها الجرار، لتحل محله قبائل وحركات دينية، أبرزها "جماعة السلفيين" التي عادت إلى الأحداث كأبرز خصم ل"الحوثيين" الذين تمكنوا من فرض حضورهم القوي في صعدة وعدد من المناطق المجاورة لها. فما الذي حدث ولم اندلعت المواجهات بين الحوثيين والسلفيين؟ ولماذا عجزت الدولة عن فرض حضورها، وتعزز دور الحوثيين كجماعة مسلحة؟ حرب عبثية من يعايش الأحداث الحالية في صعدة، يتأكد أن الحرب الدائرة هناك مبنية على أساس ديني بحت، إضافة إلى محاولة من قبل الحوثيين لفرض أجندتهم السياسية والفكرية على كل مناطق صعدة والمناطق المجاورة لها، فيما يحاول السلفيون إيجاد موطئ قدم لهم في منطقة تدين بالولاء للمذهب الزيدي. فبعد سقوط نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح نهاية عام 2011، على إثر احتجاجات شعبية استمرت لأشهر انتهت بالتوقيع على المبادرة الخليجية الخاصة بنقل السلطة في البلاد، شعرت جماعة الحوثي بأنها تمكنت من الحصول على الفرصة المناسبة للحضور كقوة بديلة عن الدولة في محافظة صعدة، وهي المحافظة التي كانت قد أحكمت سيطرتها عليها في الحرب السادسة التي حولت الحركة إلى قوة على الأرض، بعدما تمكنت من صد كافة محاولات الرئيس السابق علي عبدالله لإعادة صعدة إلى حظيرة الدولة والجمهورية، وأثبتت أنها قوة لا يستهان بها، خصوصاً أنها استولت على كثير من العتاد التابع للجيش من دبابات ومدفعيات وراجمات صواريخ وغيرها، وهي الأسلحة التي تستخدمها في الوقت الحاضر في مواجهة السلفيين في منطقة دماج. ويرى العديد من المراقبين أن الاشتباكات التي تدور حالياً في صعدة هي نوع من الحرب العبثية لأنها لا هدف سامياً لها، فهي تدور من أجل تمكين الحضور الحوثي على الأرض كجماعة وكحركة، كما أنها تأتي محاولة من السلفيين لإعادة الصراع مع الفكر الجديد للزيدية الذي جاء به الحوثيون. تحرك خجول وفي تحرك خجول لاحتواء المواجهات العسكرية في صعدة، أمر الرئيس عبدربه منصور هادي بتشكيل لجنة رئاسية عين الشيخ يحيى أبوإصبع رئيساً لها، إلا أن اللجنة لم تنجح في وقف القتال المندلع بين الحوثيين والجماعات السلفية المسلحة على رغم إعلان اللجنة أنها توصلت إلى اتفاق لوقف النار وانتشار قوات الجيش في مناطق المواجهات لضمان عدم تجددها. وقد تكررت الاتفاقات التي توصلت إليها اللجنة الرئاسية، إلا أنه في كل مرة كانت تجد من يعمل على إجهاضها والالتفاف عليها بمختلف الوسائل والأعذار. ويرى أبوإصبع أن سبب تجدد المواجهات يعود إلى عدم التزام الطرفين بتنفيذ المبادرة الرئاسية التي وضعت حلولاً ومعالجات لقضية الصراع بين الجانبين، وأن التأخر في تنفيذ المبادرة الرئاسية للحلول والمعالجات هو ما أدى إلى استمرار إطلاق النار أكثر من مرة بين الجانبين. بنود المبادرة وكانت المبادرة الرئاسية قد شملت حلولاً ومعالجات لقضية ضحايا المواجهات من القتلى والجرحى والتعويضات، وقضايا ترتيب أوضاع الطلاب الأجانب الذين يدرسون في معهد دماج من حيث الإقامة القانونية لهم وللمدرسين الأجانب وترتيب أوضاع المقاتلين إن وجدوا بترتيب أوضاعهم أو إعادتهم إلى بلدانهم، والتعايش المذهبي وعدم التحريض الطائفي والتهدئة الإعلامية والإيمان بالتعايش وغيرها من القضايا المتعلقة بالحروب السابقة التي اندلعت في هذه المنطقة. وعن المسؤول عن تجدد إطلاق النار يقول أبوإصبع: "لا نستطيع تحديد من الذي بدأ إطلاق النار لعدم وجود مراقبين وعدم انتشار الجيش في مناطق المواجهات"، مشيرا إلى أن "الأسلحة الثقيلة استخدمت في هذه المواجهات والتي يمتلكها الحوثيون". ويبدي رئيس لجنة الوساطة الرئاسية قلقه من توسع رقعة المواجهات في ظل تصاعد الخطاب التحريضي والفتاوى التي تصدر عن هذا الطرف أو ذاك، ويقول ل"الوطن": إن اللجنة تبذل جهودها من أجل قطع الطريق على هذه التداعيات، والعمل على تكريس قيم التسامح والتعايش وكل القيم التي تدعم الأمن في المنطقة. وحول التداعيات التي بدأت بالظهور في منطقة كتاف بمحافظة الجوف والقتال الدائر بين الحوثيين وجيش النصرة، يؤكد الشيخ أبوإصبع أن القتال في هذه المنطقة كان رد فعل على الأزمة الحاصلة في منطقة دماج بمحافظة صعدة. ويرفض أبوإصبع تحديد الطرف المسؤول عن خرق اتفاقيات الهدنة، مشيراً إلى أن لجنته الرئاسية "تسعى إلى مواصلة جهودها بحيادية وتسعى للحفاظ على علاقاتها مع الطرفين وعندما نصل إلى طريق مسدود سنعلن الطرف المتعنت والرافض للحلول والمعالجات السلمية". مخاوف التمدد التجدد المباغت للمواجهات المسلحة بين الحوثيين ومجاميع مسلحة ومكثفة من قبيلة حاشد، كبرى القبائل اليمنية بمحافظة عمران المتاخمة للعاصمة صنعاء والتصعيد المرافق لمظاهر الحشد من قبل قبيلة "بكيل" لخوض ذات المواجهات ضد جماعة الحوثي بالتزامن مع الانهيار المتكرر للهدنة الموقتة بمنطقة "دماج" بصعدة، أثار مخاوف متصاعدة من اتساع نطاق العنف ليشمل مدنا أخرى كحجة والجوف وهو ما قد يهدد باندلاع شرارة حرب أهلية واسعة النطاق. ورأى الشيخ صالح محمد ناصر الغادر، أحد الوجاهات القبلية البارزة بصعدة في تصريح ل"الوطن"، أن ثمة حالة استنفار غير مسبوقة في أوساط القبائل المناهضة لجماعة الحوثي وأن توسيع نطاق الاشتباكات المسلحة لتتجاوز حدود منطقة دماج بات مؤكداً في ظل إصرار الحوثيين على استخدام السلاح كوسيلة للتوسع وخلق مناطق نفوذ إضافية للمناطق التى يستحوذون عليها فعلياً في صعدة. تحالف قبلي وقال: "هناك تحالف قبلي نشأ حاليا في مواجهة جماعة الحوثي، لأن ما حدث في دماج من استخدام مفرط للقوة وضرب للمنطقة بمختلف أنواع الأسلحة استثار القبائل ودفعها إلى حسم قرارها بالدخول في مواجهات مسلحة مع الحوثيين، والأسابيع القليلة القادمة ستشهد توسعا لنطاق المواجهات القائمة في دماج بين الحوثيين والسلفيين لتشمل مناطق أخرى. الدولة في كل ما يحدث غائبة ولم يعد من طريقة للحد من تسلط جماعة الحوثي سوى الحسم المسلح". وتزامنت تحذيرات الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي من خطورة توسع نطاق الحرب المحتدمة والقائمة بين الحوثيين والسلفيين لتتجاوز حدود منطقة دماج التى يقطنها ما يزيد على 12 ألفا من أتباع المذهب السلفي، مع إعلان قبيلة بكيل الدخول كطرف في الحرب المتصاعدة بين قبيلة حاشد ومجاميع مكثفة من الحوثيين في مناطق عدة بعمران وهو ما ينذر بتداعيات أمنية غير مسبوقة في حال لم تبادر حكومة الوفاق الوطني إلى اتخاذ إجراءات فاعلة لاحتواء الموقف المتفجر بالقرب من البوابة الشمالية للعاصمة صنعاء. تداعيات أمنية ويعتبر العميد محمد رزق ناصر الذهب أحد القيادات العسكرية في اللواء 162 التابع لقوات الحرس الجمهوري سابقا والذي كان متمركزا بمنطقة عمران، أن توسع نطاق المواجهات المسلحة بين الحوثيين وقبيلة "العصيمات" التى يتزعمها الشيخ حسين الأحمر لتتجاوز المناطق المجاورة لمنطقة "الجبل الأسود"، سيتسبب في تداعيات أمنية خطيرة على العاصمة صنعاء حيث سيصبح من الصعب السيطرة على المنفذ الحدودي الذي يربط العاصمة بمدينة عمران المجاورة، إلى جانب أن توسع نطاق الحرب القائمة بين الجانبين سيفرض حالة من الانقسام في أوساط القبائل التى يرتبط بعضها بعلاقات ولاء ومناصرة لجماعة الحوثي كقبيلة "حوث" إحدى القبائل الشهيرة بعمران. تباين مذهبي من جهته، حذر الأكاديمي اليمني المتخصص في علم الاجتماع الدكتور عبدالرحمن أحمد المقرمي من تحول المواجهات الدائرة بين الحوثيين وبعض القبائل المناهضة إلى مناسبة لتصعيد النعرات الطائفية، معتبرا أن الاشتباكات المحتدمة في منطقة دماج دفعت إلى الواجهة بأول صراع مسلح يندلع على خلفية تباين طائفي ومذهبي. وقال المقرمي ل"الوطن"، إن "الحرب القائمة في دماج إذا لم يتم احتواؤها فستكون اليمن على مشارف الدخول في أتون صراعات ذات طابع طائفي، والتخاذل الرسمي في احتواء الموقف في دماج سيكون له تبعات خطيرة على السلم الاجتماعي اليمني، كما أن اتساع نطاق الحرب الدائرة في دماج قد يدفع بالبلاد إلى منزلق حرب أهلية وشيكة. حضور هزيل وقبل أيام قليلة تم التوصل إلى اتفاق نشرت بموجبه اللجنة الرئاسية العشرات من المراقبين العسكريين، بعد أن التزم الجانبان بوقف إطلاق النار وإجلاء الجرحى الذين تزايدت أعدادهم بفعل الحصار الخانق الذي يفرضه الحوثيون على منطقة دماج بحجة أن هناك مقاتلين أجانب يوجدون في المنطقة، وأن هؤلاء يقومون بأعمال إرهابية خارج نطاق دراستهم، فيما ينفي السلفيون ذلك ويقولون إن هؤلاء الطلاب يوجدون منذ عشرات السنين، أي منذ إنشاء معهد دماج قبل 33 عاماً. وتوجد في المنطقة تسعة ألوية عسكرية تابعة للجيش، إلا أنها غير قادرة على الانتشار، ويعود ذلك إلى توجيهات من صنعاء حتى لا يكون انتشارها مبرراً للادعاء بأن الجيش يحضر لحرب سابعة رسمية ضد الحوثيين، وهو ما تريد الدولة تحاشيه، بخاصة بعد أن قدمت قبل أشهر قليلة اعتذاراً عن الحروب التي تم شنها نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح ضدهم خلال السنوات السابقة، إلا أن الكثير من المراقبين يرون ضرورة في إجراء ترتيبات لنشر قوات الجيش في منطقة دماج لوأد الفتنة وإنهاء المواجهات الدائرة في دماج. الحرب والحوار يرى العديد من المراقبين أن اندلاع المواجهات المسلحة في صعدة بالتزامن مع سير أشغال مؤتمر الحوار الوطني تهدف إلى إفشاله، ويشيرون إلى السياسة الماكرة التي يتبعها الحوثيون من خلال المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني للحصول على مكاسب سياسية تعزز حضورهم في الساحة وفي نفس الوقت يوسعون نفوذهم على الأرض في منطقة دماج لإخراج أي صوت مخالف لآرائهم وتوجهاتهم الفكرية ورغبتهم في التمدد أكثر وأكثر، وهو ما حصل بعد الاحتجاجات التي شهدتها البلاد عام 2011. وعلى الرغم من أن حسابات الحوثيين في هذا الجانب تبدو دقيقة، إلا أن دخول القبائل على خط الصراع في صعدة وعمران وحرض وبدء تكون تحالف قبلي وسلفي في هذه المناطق وهو ما ظهر جلياً في المواجهات الأخيرة التي تكبد فيها الحوثيون خسائر كبيرة، بخاصة في منطقة كتاف، أعاد خلط الأوراق من جديد، وجعل الحوثيين يعيدون حساباتهم بعد دخولهم المواجهات مع السلفيين. اغتيال برلماني وألقت حادثة اغتيال النائب البرلماني وعضو مؤتمر الحوار عن جماعة الحوثي عبدالكريم جدبان في صنعاء بظلالها على الوضع السياسي برمته، بخاصة وأن حادثة اغتيال جدبان جاءت في عز الاستقطابات الحزبية والمذهبية الخطيرة في صعدة وصنعاء وبقية مناطق البلاد، ما دفع بالكثير إلى إعلان مخاوفهم من اتساع رقعة المواجهات لتشمل المحافظات القريبة والبعيدة عن صعدة وفتحت باب المخاوف من حرب طائفية تشمل مناطق بعيدة عن محيط الصراع القائم حالياً في صعدة. وقد شكل الرئيس هادي بعد ساعات من الاغتيال لجنة لإجراء تحقيق شامل بشأن عملية الاغتيال، وأصدرت الرئاسة اليمنية وحكومة الوفاق الوطني بياناً مشتركاً عبرتا فيه عن "إدانتهما واستنكارهما الشديدين لجريمة الاغتيال النكراء التي استهدفت عضو مجلس النواب وعضو مؤتمر الحوار الوطني عبدالكريم جدبان، والتي تتجاوز في مغزاها وغاياتها شخص جدبان للمساس باستقرار الوطن وجر أبنائه الى الصراعات، فضلاً عن أهدافها الخبيثة الرامية لإرباك مسار المرحلة الانتقالية الجارية". واعتبر البيان أن "عملية الاغتيال التي مست النائب جدبان تعتبر اعتداء سافراً أراد من خلاله مرتكبو هذا العمل الجبان وكل من يقف وراءهم، التأثير بشكل سلبي على العملية الانتقالية الجارية والتشويش على النجاحات المحققة في هذا المسار، والسعي لإحباط مؤتمر الحوار الوطني الذي شارف على نهايته ويوشك على وضع معالم مستقبل اليمن الجديد القائم على العدالة والحرية والمواطنة المتساوية". لهذا سارعت الرئاسة والحكومة إلى احتواء محاولة الاغتيال مخافة أن تنزع الأطراف المتحاربة إلى انتهاج العنف باسم الدين، بينما ما يدور في الحقيقة هو صراع سياسي أكثر منه دينياً. لكن السؤال الأخطر الذي يدور اليوم في اليمن هو ما إذا كانت دماج ستبقى منطقة بؤرة توتر أم ستتحول إلى بوابة لحرب سابعة؟ هذا ما ستجيب عنه تطورات الأيام القليلة القادمة؟