باتت الدراما لغة عالمية معتمدة، بواسطتها تنقل الشعوب عاداتها وتقاليدها وأفكارها إلى الآخرين، وتصحح بها المفاهيم المغلوطة في مخيل الآخر، لتعزز حضورها الكوني في المنظومة الأممية، فأميركا على الرغم من حضورها الطاغي على كل الصعد، لم تُغفل هذا الجانب مطلقا، بل اعتمدته ذراعا قوية في تسجيل حضورها، تغسل من خلاله صورة الأميركي الذي تشوهه السياسات والبطش العسكري. فالمتأمل لجل الأعمال الأميركية، يجد أنها تكرس صورة الإنسان الأميركي المتحضر المنتصر للعدل والإنسانية، والساعي دائما إلى الفضيلة، وقد أجاد الأميركيون استخدام الدراما في تصدير ثقافتهم إلى الخارج، وحل مشاكلهم الداخلية كقضية التمييز العنصري، والتمييز ضد المرأة، ونحن دائما نلحظ البطولات المشتركة بين أبيض وأسود، أو بين رجل وامرأة. والمؤسف، أن الدراما السعودية في حالة تعيسة بائسة، تموت ببطء، لا تواكب الطموحات المحلية، ولا التطلعات إلى التأثير في الآخر، بل تلتزم أفكارا وقناعات شبه محنطة، نلمسها في الآتي: "الشللية" فكل مجموعة من الفنانين ينتظمون في شلة واحدة حتى تصبح "قوقعة" لا جدة فيها. النزوع إلى الكوميديا المفتعلة "ثقيلة الدم" في جل الأعمال، أو إلى "التراجيديا" التعيسة جدا. مهاجمة التيار المحافظ باعتبار هذه اللقطة "أيقونة" للشجاعة والتغيير. الانفصام التام بين الدراميين والمسرحيين، وكذلك الأدباء. الخوف عن ولوج الأعمال العملاقة المؤثرة، والبقاء في فلك الاجتماعية المملة. الاعتماد على أفكار إخراجية بالية. طغيان المنتج الممثل. انتظار رمضان، وكأن الصائمين ضاقوا ذرعا بيومهم، ولن يجدوا فرحة الفطر إلا بتركيبات الأسنان والطيحات المفتعلة. التكرار القاتل، فالأفكار المطروحة في أكثر من عمل ومن زاوية واحدة وبطريقة واحدة. هذه الأفكار وغيرها مما لا أعرف لعدم تماسي مع هذا الوسط إلا من خلال الشاشة دمرت الدراما السعودية، وجعلتها تراوح في منطقة الظل، وربما تموت مظللة، وما خروج الشباب من خلال اليوتيوب بأفلامهم القصيرة اليوم إلا مواكب المشيعين. فجل هؤلاء الشباب لم يستقطبهم الوسط الفني، ولم يحظوا بفرصهم. وكذلك نزوع القنوات الإعلامية إلى دبلجة الإنتاج العالمي باللغة العربية، يؤكد صراحة على إفلاس الدراما العربية في معظمها. عندما يخرج علينا فايز المالكي وحسن عسيري وغيرهما بشخصيتين في عمل واحد، فإننا نتساءل "ألا يوجد فنانون سعوديون؟" وعندما تأتينا ثلاثة مسلسلات متتالية بقالب واحد "نقد اجتماعي + كوميديا هزيلة + فكرة واحدة" فإن السؤال، أهذا كل ما لدينا؟! في نظري، إن غياب العمل المؤسسي عن الساحة الفنية، هو الذي جعلها تتخبط دون استراتيجية وطنية أو أممية، ودون مسؤولية تاريخية، ولا نستطيع أن نلقي باللوم كله على الفنانين الباحثين عن فرصهم، بل السبب من وجهة نظري في الأرضية المضرسة التي لم تمهدها الدولة، بافتتاح معاهد وكليات تعليمية للفنون والإخراج والإنتاج، وغياب هيئة عليا للفنون مؤهلة لوضع استراتيجيات كبرى يترسّمها الفنانون في إنتاجهم. فإلى متى ونحن متلقون لما ينتجه الآخرون، ليس لنا نتاجنا الذي يؤثر في الآخر، ويمسح تراكمات تصوير الآخرين لنا، الذي دائما ما يكون مجافيا للحقيقة. فتاريخنا حافل بما يستحق أن يعلمه الآخرون، وحياتنا مكتظة بالجمال والإنسانية، ولدينا شخصيات مؤثرة في هذا المجال حتى على المستوى العالمي، ومنهم الشيخ السميط رحمه الله. ها هي المكتبة العربية اليوم تزدحم بالروايات العربية والسعودية، فأين أعين الفنانين والمنتجين عنها؟ وهم يعكفون على اجترار موضوعات بالية، تجاوزها المشاهد، وها هو التاريخ العربي بطوله وعرضه، بحقائقه وأساطيره، وتاريخ الدول السعودية المتعاقبة، وتاريخ الصحراء والقبائل، وها هو واقعنا المملوء بالمتناقضات التي تنتظر الفنان القناص الذي يجيد حياكتها في ملاءات فلسفية تدهش المتلقي، وتجعله يراجع قناعاته بعيدا عن الوعظ وكأننا في برامج توعوية، وكلها ما تزال بمنأى عن أفكار فنانينا. حقيقة لا أعلم من الجهة المسؤولة عن الدراما السعودية، فلم أجدها في تبويبات جمعية الثقافة والفنون على موقعها الإلكتروني، وهذا يفتح السؤال: من المسؤول عن الدراما السعودية في زمن باتت فيه الدراما لغة أممية؟