يتوسط مكتب ملحق العمل والتعاون الثقافي في القنصلية الفرنسية بجدة سيباستيان لافراجيت ألبوماً يحمل عنوان "مذكرة إقامة" بتوقيع المصورة الفوتوجرافية الفرنسية آن دو هينينغ (2010)، التي قضت أياما في جدة بدعوة من القنصلية في الفترة ما بين بين 9-23 يناير 2011، وعملت على توثيق التنوع لمدينة جدة بوصفها مدينة متعددة الثقافات (كوزموبوليتانية) على المستوى البشري والعمراني والثقافي والتعليمي والهندسي، في تناغم يجمع بين ثنائيات القديم والحديث، والنخبوي والشعبي. يضم ألبوم الصور بين دفتيه 49 صفحة من الصور تستهله صور المنطقة التاريخية بطرازها العمراني المتميز الذي تجسده بيوت "البلد" بتفاصيلها اليومية الصغيرة داخل الحارات والأزقة والأسواق الشعبية وعمليات الترميم لما تبقى من تلك البيوت. في الصفحة 13 تنتقل دوهينينغ إلى المعالم العمرانية الحديثة؛ لتصور مجموعة من عمال البناء أثناء تشييد إحدى المباني الحديثة في الكورنيش الشمالي، لتدخل المتلقي بسلاسة إلى عالم جدة الحديث عبر صورتين لرجل وامرأة بالزي المحلي يسيران في شارع الأمير محمد بن عبدالعزيز (التحلية) تبرزان البعد الحداثي لجدة كمدينة عصرية مع احتفاظها الكامل بهويتها. المنحوتات التي أبدعها فنانون غربيون وعرب وتزين عددا من شوارع وميادين جدة، كان لها نصيب من الألبوم، مثل ميدان الدراجة "أزيفل أخيرا"، والقوراب القديمة أمام إحدى بنايات الكورنيش وغيرها من الأعمال الفنية، إلى جانب صورة ملتقطة من صالة "أثر" للفنون. بينما تمثل صور سوق الجمال وراع سوداني وأحد المتاجر التي تعرض البضائع الصينية، إضافة إلى مقهى مركاز العمدة والشيشة وبائع السجاد الأفغاني وتجار المفروشات الأتراك والسوريين؛ جوانب من حياة الناس اليومية التي تعبر عن روح المدينة وتعدديتها. الصفحات السبع الأخيرة خصصتها المصورة الفرنسية لشاطئ جدة وسوق السمك (البنقلة)، حيث يظهر مسجد الرحمة، خلفية لبائعي الأسماك مع صورة تحمل عنوان "صياد مع الأميركية الجميلة"، وما تلك الأميركية حسب تعبير دوهينينغ إلا سيارة شيفروليه قديمة تعود إلى أوائل الثمانينات بجانبها صياد هاوٍ. أما الصورة الأخيرة لدو هينينغ، فهي للآية القرآنية "الله نور السماوات والأرض" في الكورنيش الشمالي، التي نحتها الفنان العالمي جوليو لافوينت، وهو ذاته مبدع الدراجة العملاقة التي كانت تملأ ما كان يعرف إلى وقت قريب ب"ميدان الدراجة". الفنان الفوتوجرافي عيسى عنقاوي من جانبه وصف ل"الوطن" تجربة دوهينينغ بأنها تفاعل ثقافي إيجابي، معتبرا أن "تجربة الاستشراق- وجزء منها مجيء الفنانين إلى المنطقة منذ قرون- ساهمت في توثيق مقاطع من تاريخنا لم نكن نحن نستطيع توثيقها بأنفسنا". وانتقد عنقاوي عدم إقبال الفنانين السعوديين على تجارب مماثلة في دول أخرى ونقل صورتها إلينا، مرجعا ذلك إلى "عدم تجذر مفهوم الفنان المحترف المتفرغ للإبداعات الفنية دون غيرها، وعدم وجود جهات، عامة أو خاصة، تعزز ذلك الاتجاه، مع ضعف المبادرة الذاتية، فيما يحظى الفنانون الغربيون برعاية ومبادرات وتسهيلات عندما يزورون بلادنا لأغراض فنية". سيرة بدأت مسيرة آن دو هينينج مع التصوير الفوتوجرافي عام 1969 عندما عبرت الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية عبر سيبيريا ومنغوليا؛ لتصل إلى فيتنام في زمن الحرب، حيث صورت في أماكن وأزمنة بالغة الأهمية. ثم استقرت في هونج كونج لمدة سنوات عدة، واكتشفت الجنوب الشرقي لآسيا، وكتبت العديد من التقارير عن القبائل في لاوس والفلبين وتايلاند وماليزيا. ونشرت الصور التي التقطتها والمقالات في أشهر المجلات والصحف، مثل "ناشونال جيوجرافيك" و"باري ماتش" و"لوموند".