طالب الباحث في تاريخ المدينةالمنورة فايز البدراني بالإفراج عن وثائق المحاكم الشرعية (السرية) للباحثين والمؤرخين وتحديد عمر زمني لسرية الوثائق، وإظهارها لحفظ تاريخ الجزيرة العربية والاستفادة من التجربة الأوروبية التي وضعت حدا لسرية وثائقها بعد مضي 30 عاما. وقال في محاضرة نظمها مركز بحوث ودراسات المدينةالمنورة أول من أمس، ضمن سلسلة تجربتي وحملت عنوان "جمع الوثائق المحلية للمدينة المنورة": استطاع الغرب الحفاظ على تاريخهم عندما حددوا عمرا لسرية الوثائق التي تحفظ تاريخهم لا يتجاوز 30 عاما، بينما بقيت السرية تهدد تاريخنا العربي، وما زالت الكثير من أحداث الجزيرة العربية، لا يسمح للباحثين والمؤرخين بالوصول إليها حتى ولو كانوا من المتخصصين بحجية سريتها. وشدد البدراني على أن التعامل مع الوثائق الحكومية على أنها أرشيف قومي يفترض إحاطته بالسرية الأبدية، يترتب عليه ضياع هويتنا وحضارنتا الإسلامية، مؤكداً أن إزاحة السرية عن الوثائق سيكون نقلة نوعية كبيرة للنهوض بالأرشيف الوطنى وهذا معمول به بالفعل فى كافة دول العالم المتقدمة. مطالباً بهيئة مستقلة ذات سيادة وترتبط بأجهزة عليا في الدولة للكشف عن الوثائق، لافتا إلى أن الأرشيف الوطنى فى جميع دول العالم يتبع جهة سيادية ويعتبر جزءا من الدخل الوطني، واستشهد ببريطانيا التي يمثل فيها الأرشيف الوطنى الدخل الثانى بعد السياحة. وقال: آن الأون لتمكين الباحثين من الحصول على الوثائق وفق قوانين جادة لذلك الغرض بحيث يكون القانون مناسبا يتفق مع العمر الافتراضى المناسبا للكشف عن الوثائق ويتناسب أيضا مع سرية المعلومات حماية للأمن الوطني. وقسّم البدراني وثائق الحجاز إلى محلية لا تزال بعيدة عن متناول الباحثين والمختصين وتحتفظ المحاكم الشرعية بالكثير منها وتوزع جزء من الوثائق في بعض الإدارات الحكومية الأخرى وعند عدد من أعيان وأسر المدينة بقيت حتى اليوم - بحسب البدراني - تغيب تاريخ الحجاز والجزيرة العربية داخل مخازن (مستودعات) مشددة الحراسة، والوثائق الأجنبية التي نقلت من المدينة إبان الحكم العثماني لا تزال تشكل القيمة التاريخية الأبرز في القاهرةوإسطنبول. وكشف البدراني أن الوثائق الأجنبية التي يحويها الأرشيف العثماني تزيد عن 150 مليون وثيقة متاحة للباحثين والمؤرخين، بينما توزعت وثائقنا المحلية في مستودعات المحاكم الشرعية يحجبها نظام السرية. واستعرض البدراني (الباحث الوحيد الذي فتحت له مخازن محكمة المدينة) جملة الصعوبات التي مر بها للاطلاع على وثائق المحكمة الشرعية بالمدينةالمنورة، قائلا: تقدمت بطلب للمحكمة الشرعية بالمدينةالمنورة ومنعت من الوصول لوثائقها ثم اتجهت لوزير العدل السابق صالح آل الشيخ بشفاعة رئيس دارة الملك عبدالعزيز والذي سمح لي بالاطلاع على وثائق المحكمة الشرعية وفتحت لي أبوابها بشرط الاطلاع فقط دون إخراجها أو تصويرها، فوجدت كنوزاً من الوثائق يتجاوز عمرها 475 عاماً (وثائق عام 960 ه)، مبيناً أن أهالي المدينة كانوا يوثقون أغلب معاملاتهم السائدة بذلك الوقت بصكوك شرعية مثل المبايعات، ومعاهدات الصلح على مستوى الأفراد والجماعات، وعقود الإجارة، والأنكحة وغيرها، مفيداً أنه قرر النزول للبحث عن الوثائق لدى الأسر وأعيان المدينة، إذ صدم بتحفظهم على اطلاعه على تلك الوثائق التي يحفظونها بطريقة بدائية تعرض كثيراً منها للتلف بسب طول عمرها، مفيداً يأنه كشف عن أسماء 21 أميراً في المدينةالمنورة تجاهلتهم المصادر التاريخية، وجدها أثناء مطالعته لتلك الوثائق. وأوضح البدراني أنه قدر الوثائق الهامة التي تحويها محكمة المدينةالمنورة ب300 ألف وثيقة، استطاع أن يطلع على 25% منها فقط قبل أن يحدث تغير في رئاسة المحكمة ويمنع من مواصلة بحثه، وقال: تمكنت في تلك الفترة من إخراج 100 ألف وثيقة، مبيناً أن أغلب ما تحويه تلك الوثائق هو معاهدات الصلح التي كانت تحدث بين الشرائح (الطبقات) وما يحدث بين الأغوات وغيرهم في حراسة الحرم والأنظمة فيها، كما تضمنت وثائق المحكمة القرارات السلطانية والعثمانية القديمة، مبينا أنه خلال رحلة دامت أكثر من 30 عاماً لم يتوصل إلا لجزء يسير من الوثائق بحوزة بعض الأسر في المدينةالمنورة. وأوضح البدراني أن الوثائق الأهلية يتعرض بعضها للتزوير والطمس وربما محاولة للإخفاء بقصد عدم ظهور حقيقة أو تقتضي مصالحهم السكوت عنها، مطالباً بنظام آخر للوثائق يجرم التطاول على تلك الوثائق بالطمس أو التغيير لحماية موروثنا العلمي، مفيداً بأن من أبرز أسباب تغير ملامح الوثائق ما يتعلق بالأنساب والمواقع والهجرات وعادات العرب قديماً. وشهدت المحاضرة مداخلات أيدت مطالب البدراني، ومنها مداخلة الدكتور محمد آل زلفة الذي أكد أنه وجد الكثير من وثائق الحجاز والمنطقة العربية في إسطنبول تلقى الحفظ والصيانة والتسهيل للباحثين، فيما طالب الباحث بتاريخ المدينة عدنان بن عيسى العمري الجامعات ومراكز البحوث بتخصيص أقسام لتدريس الوثائق وطرق البحث عنها والوصول لها، مؤيداً ما ذهب إليه البدراني بتحديد عمر زمني للكشف عن الوثائق السرية.