لا يزال كثير من المراسم الفنية التي انتشرت في السنوات الأخيرة، يفتقر إلى تراخيص من جهات رسمية تمكنها على الأقل من منح المتدرب الذي تابع دورة فيها شهادة بذلك، ناهيك عن أن هدفها الأسمى هو تنمية المهارات والمواهب بما يعيد للفنون التشكيلية قدرتها على أن تكون رافدا ثقافيا وسياحيا. إلا أن جمعية الثقافة والفنون بالدمام أدركت حاجة تلك المراسم إلى هذا الترخيص وبادرت إلى دعم بعضها بشهادة معترف بها، وفق ما كشفت ل "الوطن" مشرفة لجنة الفنون التشكيلية في "جمعية الثقافة والفنون" بالدمام، المدربة الفنانة التشكيلية شعاع الدوسري. وتقول: المراسم الفنية خطوة أولى للتعرف على الموهبة واكتشافها وتنميتها بشكل جيد، إلا أن هذه المراسم ينقصها التعريف والترخيص من جهة رسمية كي تعطي ثمارها الجنية وفوائدها المطلوبة بالدرجة الأولى كضمان للمسجلين فيها باتباعها لجهة رسمية بالدرجة الثانية، وهو الأمر الذي تفتقده المراسم، إلا أن "جمعية الثقافة والفنون" تيقنت هذه الحاجة مما دفعها إلى دعم بعض المراسم في المنطقة عبر شهادة معترف بها تمنح للمرسم". صقل المواهب وتؤكد الدوسري أن "دورة واحدة لا تكفي ولا تستطيع أن تخرج مبدعا ومتميزا، بل على صاحب الموهبة متابعة طريقه في كل المجالات لدعم موهبته وصقلها وتنميتها عبر عدة وسائل من أبرزها الانضمام لدورات في الرسم والتعرف على أصول هذا الفن ومبادئه وهو أول طرق النجاح والإبداع"، لافتة إلى أن "بعض المراسم تكون في حالات معينة للتسلية وتمضية الوقت فحسب دون الاستفادة الفعلية والهادفة من وراء المشاركة في المرسم؛ ويرجع السبب في ذلك إلى عدم وجود الفنانة المتمكنة والقادرة بشكل صحيح على تعليم الفن بصورته المعروفة؛ إذ تعمد بعض المراسم إلى تعليم الأطفال الفن وكأنه شخبطات لا معنى لها ولا فائدة، إضافة إلى عدم الاعتماد على مادة علمية على أساسها يتم تقديم المعلومات الفنية للمشاركين في ورشة الرسم". وتابعت الدوسري: إن كان في المراسم استمرارية تنفع الموهوب في صقل فنه عبر تقديم دورات متواصلة، فإن ذلك سيكفل تخريج موهوبين إلا أن الانقطاع عن هذه المراسم لا يساعد في صقل الموهبة، كما أن المبدعين بحاجة إلى دعم مادي ومعنوي ويأتي ضمن ذلك استحقاقهم لشهادة تدريب من هذه المراسم تكون معتمدة من جمعية الثقافة والفنون ما يشعرهم بأهمية الدورة التي تلقوها ودعم جهات رسمية لهم"، لافتة إلى أن المراسم تعد ظاهرة صحية موجودة ومنتشرة في عدة دول من العالم وأنها كثرت في السنوات الأخيرة بشكل كبير، وذلك يحمل جانبين أحدهما انتشار الفن بصورة سريعة والآخر استغلال الإجازة بشكل إيجابي، حيث يكثر الإقبال على المراسم الفنية في عطلة منتصف العام وفي نهاية العام. تكاليف عالية وفي السياق نفسه، ترى الفنانة التشكيلية عصمت المهندس أن المراسم الفنية تشكل دورا مهما في التعرف على موهبة فنية وهي بذات الوقت قد تستنزف جيوب البعض في حالات معينة حين لا تكون الغاية تعليم الفن، وإن كانت الغاية كذلك فإن التكاليف المادية تكون باهظة الثمن؛ وذلك يرجع إلى أن تكلفة مواد الرسم عالية القيمة ولا تتوفر في كل الأماكن، وإن وجدت أدوات معنية يحتاجها الفنان في الرسم فتكون صينية الصنع غير جيدة إلا أننا نضطر إلى شراء مثل هذه الأدوات فهي المتوفرة لدينا في السوق المحلي وإن كانت مرتفعة السعر". وتشير المهندس إلى أن هناك مراسم فنية تسجل فيها طالبات جامعيات يستفدن من تعلم مختلف الفنون التشكيلية وتنمية مهاراتهن الفنية، ويرغب كثير منهن في التخصص في هذا المجال والإبداع لكن العقبات لا تلبث أن تكون في طريقهن، وذلك لعدم توفر صالات العرض بكثرة في المنطقة الشرقية مقارنة بمدينة جدة والرياض ما أدى لهجرة الفنانين والفنانات إلى هناك للتعرف على نتاجهم وإيصاله للجمهور. إفادة ومشاركات وتوضح الشريك الإداري لمركز البيلسان للفنون التشكيلية الفنانة سميرة إسماعيل، أن مواهب الأطفال تحتاج لمزيد من الرعاية والاهتمام كي ترى النور وتأخذ طريقها الصحيح في عالم التميز والإبداع، معتبرة أن المراسم الفنية إحدى وسائل تنمية المواهب والأخذ بيدها لإظهار الطاقة الفنية الكامنة في النفس. وتشير إلى أن كثيرا من المواهب شاركت في الورش التي قدمتها المراسم الفنية واستفادت كثيرا من الدروس التي أعدتها فنانات تشكيليات متخصصات في الفن، واعتبرت إسماعيل أن الفن علم ينبغي أن يصل لكل شرائح المجتمع كبارا وصغارا، مفيدة أن مركزها الذي أسس بالتعاون مع 9 فنانات تشكيليات بالمنطقة الشرقية تمكن من تحقيق رسالة وحلم استمر في الذاكرة عدة سنوات، لكن بدعم وجهود الفريق نشأ المركز وحقق أهدافه في التعريف بالفنون بمختلف أنواعها، ورفضت إسماعيل اعتبار مثل هذه المراسم ملهاة للطفل وحسب بل إنها فرصة لاكتشاف مواهب الطفل خاصة في ظل قلة الوعي بأهمية الفن ودور في الحياة اليومية والاجتماعية والاقتصادية وتأثيره على نفسية صاحبه، بجانب أن المراسم الفنية باتت اليوم متنفسا للكثيرين سواء للأطفال وطالبات الجامعة أيضا؛ حيث إنها أصبحت بديلا عن المجمعات التجارية والأماكن الترفيهية المحدودة في المنطقة. وتؤكد أن هذه المراسم تعد فرصة لالتقاء أصحاب المواهب بعضهم البعض والتعرف على ميول واتجاهات كل موهبة ما يخلق في شخصية الموهبة الثقة بما تملك من فن. وحول انتشار المراسم الفنية في عدد من المنازل ذكرت إسماعيل أن هذه الخطوة انتشرت بشكل محدود في المنطقة مفيدة أنها لا تميل لمثل هذا النوع من المراسم؛ حيث إن الأسر لا تأمن على فتياتها في هذه المراسم كونها تفتقد الرسمية والأمن وليست تحت مظلة جهة مخولة بالتدريب على الفنون. مستويات مختلفة ويرى مدير فرع جمعية الثقافة والفنون بالدمام عيد الناصر أن المراسم الفنية فيها مستويات مختلفة، فبعضها يقوم عليه فنانون محترفون لهم مكانتهم وسمعتهم المتميزة، وبعض المراسم لا تستحق أن يطلق عليها مراسم؛ مرجعا السبب في ذلك إلى قانون "العرض والطلب"، فهناك حاجة لتعلم هذه الفنون وبما أن الجهات المؤهلة لتقديم هذه الدورات غير قادرة على استيعاب المطلوب فمن الطبيعي أن تتولد هذه الظواهر، ومن الحاجات المهمة اجتماعيا هي استثمار الوقت بشكل مفيد مستشهداً بأحد أولياء الأمور الذي شجع ابنته على حضور إحدى الورش في فن ما وبعد تلك الورشة تغيرت حياتها اليومية فأصبحت دائمة الاطلاع والاشتغال بفنها الجديد الخ.. وهذا التغير خلق لها سعادة لا حد لها في المنزل لأن الفراغ يعد سلاحا ذا حدين يتطلب من الوالدين العناية بأبنائهما. ويشير الناصر إلى أن بعض المراسم تمكنت من جذب أكبر عدد من المسجلين فيها وذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت وسيلة إعلانية سهلة ميسرة ومجانية، فاستطاعت هذه المراسم عبر حملتها الإعلامية التعريف بما تقدمه من فنون كما خلقت لدى الناس نوعا من الوهم بأنها تستطيع تخريج أجيال من المبدعين والمبدعات، وهذه الحالة لها خطورتها في المستقبل لأن عملية التأسيس هي في غاية الأهمية فمن يبدأ تجربته بطريقة خاطئة فنيا فسوف يعاني في المستقبل على الكثير من المستويات إلى درجة مخادعة الذات والدخول في معارك وهمية دفاعا عما يقدمه وسيلبس إنتاجه ألف قناع وقناع للتبرير. وطالب الناصر المؤسسات الرسمية بما فيها من المدارس بكافة المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية بالإضافة إلى الجامعات والمعاهد بأن يكون لها دور في تنمية مواهب المبدعين في مختلف الفنون، مستدركا أن ضعف ميزانية هذه المؤسسات قد يحول دون تبني المواهب ورعايتها إلا أن التحدي وإبراز الموهبة ينبغي أن يتجاوز كل الصعوبات والعقبات. وأضاف الناصر أن الجمعية لديها تحليل ورؤية لما يحدث على مستوى الفنون وعلاقتها بالمجتمع بشكل يومي ومستمر يزودها بتلك التغيرات وخطة عمل هذه السنة ستشهد بعض التغيرات التي نطمح في أن تكون نوعية ومؤثرة.