ما إن بدأت الأجواء في منطقة الجوف تميل نحو البرودة حتى انتعشت رحلات "المكشات" لشباب المنطقة ما بين النفود والحماد، يحركهم هوى البر وعشق الكشتة والهرب من صخب المدينة، والتمتع بالطبيعة الخلابة وحياتها البدائية. رحلات الكشاتين بالجوف رفع من أسهمها انتشار الطرق المعبدة التي أصبحت توصلهم لمسافات بعيدة كانوا يرهقون في سنوات ماضية حتى يصلون إليها، فيما تتجه البوصلة هذا الشتاء بشكل كبير إلى صحراء النفود ومركز عذفاء تحديدا الذي يتوسط الصحراء. ويغوص عشاق البر في رمال النفود في رحلات يعشقونها ويتلهفون لدخول الشتاء لممارستها. وتبدأ الرحلة بنصب الخيام وتجهيز المقر وترتيب الجلسات حولها، ثم تشتعل النار ويلتف حولها السهارى، يضعون أباريق الشاي ودلال القهوة، وينتظرون قهوة وشاي "الحطب" الذي لا تحلو لهم سهرة المكشات إلا به، ثم يتوزع أفراد المجموعة بين من يحضّر الخضار وآخر يعد اللحوم، وثالث يجهز الغاز، ورابع يعد الأواني، في حين يتعاون الجميع لتجهيز "الكبسة" تحت إشراف شخص واحد. ويزداد الجوع مع رائحة الطهو في أجواء نقية لا يشوبها أي روائح أخرى، ولا ينتهي تجهيز الطعام إلا وبلغ الجوع والانتظار أوج درجاته، ليتناول الجميع وجبة يجدونها مختلفة تماماً عما يتناولونه داخل المدينة. ولا يسدل ليل "الكشاتة" أستاره بتناول العشاء، بل تعود جلسة السمر، وتزداد النار أواراً وتحضر "الفروة"، وتلتف الأشمغة على الأوجه، ويبدأ الغزل بالبر وأهل البر، واستعادة ذكريات رحلات سنوات مضت والحديث عن أخبار الطقس والبحث عن "علوم المطر" وتحديد آلية هذا الشتاء ومواعيد وأماكن "المكشات". وتتجه بوصلة كشتة مجموعات أخرى إلى الحماد بحثاً عن الطيور الحرة والقنص، والتي تنتشر هذه الأيام، خاصة بعد أن وفق بعض الصيادين بالمنطقة في اصطياد طيور حرة حركت مشاعر الآخرين، فخرجوا بحثاً عن هواهم آملين بالحصول عليها.