سقى الله «روضة التنهات».. روضة كاسب الطولات بسيلٍ في عروض العرق الأعلى بانت حدوده يسامرها رفيف البرق عشر أيام محسوبات تقول إن السحاب ليا تكاشف سل مجروده يعانق خدها وبل الحيا ويعوض اللي فات سكون الليل يصحا من رفيف البرق ورعوده يرتبها الربيع وتلبس الثوب الخضر بالذات ابد ماكنها إلاّ قطعة السجاد ممدوده يعاودها المطر لاهي بلا مره ولا مرات وتصبح مع مدى الأيام قصة عشق وانشوده تفلّ حجاجها للساعة اللي وابرك الساعات حضورٍ ما تمله كل عامٍ فيه موعوده أبيات من قصيدة رائعة للشاعر المبدع "ضيدان المريخي" اخترناها مدخلاً عن موضوع الرحلات البرية قديماً وأماكن التنزه، حيث دعا الشاعر من خلالها لمعشوقته ومعشوقة نجد الكبير "روضة التنهات" بأن تتالى عليها "روايح" الغيث إلى أن تلبس حلتها الخضراء، ويحلو على ضفافها المُعطر بعبق "البختري" نصب خيمة المكشات، واستدعاء كل أسباب البهجة و"فلّة الحجاج" عندما يكسر -يعني في لغة أهل الكيف "يضبط"- فنجال المهيلة برفقة الصحبة الطيبة بعيداً عن أدخنة المصانع، وصخب المدينة، وهو في هذه الحال لابد أنه يختلف عن مقاصد جدّه الذي عندما يطرح مثل هذه الأماني في أي موقع مماثل، فهو ينشد من ورائها حتى ولو "شبعة غنم" يرتع عند اطرافها مع "ذوده" بضعة أشهر لا يشاركه قفرها سوى الحبارى، وطير "أم سالم" قبل أن يطوي خيمته ويرحل. وأشهر أماكن "كشتات البر" في نجد، بالإضافة إلى "روضة التنهات" هي "روضة خريم"، "روضة السبلة"، "الشوكي"، "هيت"، "خباري وضحى بالصمان"، فياض الصمان، "الدبدبة" التي تعد من أشهر منابت "الفقع" -الكمأ-، إلى جانب "روضة الصريف"، و"شعيب الحسكي"، و"البسيتينات"، و"روضة مهنا" وغيرها من المواقع، حيث يوجد لكل منطقة أو مدينة أو حتى قرية أماكن قريبة ومعروفة كمقاصد للرحلات وطلعات البر. أشهر المواقع: «روضة التنهات»، «خريم»، «السبلة»، «الشوكي»، «هيت»، «خباري وضحى»، «الدبدبة»، «الصريف»، «شعيب الحسكي»، «البسيتينات».. و«روضة مهنا» الرحلات قديماً في فترة ما قبل الثمانينيات الهجرية -بحكم أن الترفيه عموماً مرتبط دائماً بعنصر توفر الأمن الكامل ورغد العيش- لا يوجد رحلات برية بمعناها الحقيقي، إلاّ في الفترة التي توفرت بها مثل هذه العناصر، وإن وجدت فهي محدودة جداً وتأتي بصور أخرى على شكل "مطراش" يدر منفعة، مثل رحلة المقناص الذي يصطحب خلاله مجموعة من الشباب الصقور وكلاب الصيد ويحملون ما يكفيهم من زاد بحسب قدرتهم ثم ينطلقون إلى الصحراء، ومثل ذلك "العسوس" وهم مجموعات استطلاع، وإن كان في الغالب شخص واحد يُرسل لاستطلاع خصوبة الأرض والبحث عن مراعي جديدة يتوفر بها "الكلأ" لمواشيهم بحدود الأراضي المحيطة، إلاّ أن البعض يستغلها كرحلة تنزه، فيذهب اثنان أو ثلاثة ومعهم الطعام والشراب بما يكفي الرحلة التي يحوّلون مدها لعدة أيام، إضافة إلى مهام أخرى رئيسة في حياتهم تستغل كرحلات تنزه وتغيير الرتابة اليومية للحياة والتي يفرحون بها وينتظرونها دوماً مثل ملاحقة أسراب "الجراد" وجمع "الفقع" ومواسم "حش" المحاصيل وجمع العشب أو حتى الفزعة مع أحد الجيران لمشاركته البحث عن "إبل" أو "غنم" فقدها في الصحراء. كشتة ومطراش وإلى أواخر الثمانينيات الهجرية مع انتشار استخدام السيارة كانت رحلات السفر يأتي أكثرها على شكل مكشات خصوصاً لدى أهالي القرى الذين يذهبون للتبضع في أسواق المدن، فقد جرت العادة أن يتكفّل صاحب السيارة بأواني القهوة والطبخ التي تعلق داخل كيس على جانب السيارة تعرف ب"خيشة الأرزاق"، وكانت مثل هذه الرحلات من أمتع وأجمل الرحلات التي تستغل أيضاً كرحلات تنزه واستجمام، حيث يجمع الركاب مبلغ "قطّة" يشترون به ما لذّ وطاب بحدود قدراتهم، حتى إن مدينة مثل بريدة أو حائل أو حفر الباطن تستقبل يومياً مئات السيارات القادمة من القرى والبوادي المحيطة ولا تكاد تقترب ساعات الغروب إلاّ وتصبح أسواقها شبه خالية من هذه السيارات التي يكون ركابها قد خرجوا لأحد الفيافي المحيطة، وبدؤوا الاستمتاع بنزهتهم بإنزال الأواني وبسط الفرش وإشعال النار وتوزيع المهام بين القهوة وإعداد الطعام، حيث يبرز بين هؤلاء مواهب في الطبخ وخبز الرمل. كشتات البر بين جيل الشباب في الثمانينيات حيث وقت تناول «كبسة العذراء» (أرشيف الرياض) طباخ النكت! وهنا نتوقف قليلاً لذكر حكاية طريفة لأحد هؤلاء الذي كان طباخاً "غشيماً" للمرة الأولى يطبخ لزملائه، فوضع كمية الرز بنفس مقاس قدر الطبخ، فتورّط أثناء الطبخ بكمية الرز التي كانت ترتفع مع استمرار الطبخ؛ فترفع غطاء القدر؛ فيضطر عندها إلى "غرف" الكمية الزائدة من الأرز ورميها على الأرض محاولاً إخفاء ذلك على زملائه؛ لأن وقتهم ليلاً وعندما طال انتظارهم سأله أحدهم "بشّر عسى العشى خلص..؟"، فأجابه قائلاً "أبشركم إنه خلص بس الظاهر أنه ما هو على سنع!"..، وفعلاً مثلما توقع لم ينضج الطبخ في أعلى القدر بينما احترق أسفله، فكان الأجمل والألذ في الطبخة غير الموفقة هي أجواء الضحك والبهجة وتبادل عبارات السخرية حول الحادثة التي تناقلوها لبضع سنوات ونقلوها إلى مجالسهم ومسامراتهم، وكشفت أن زميلهم هذا "طباخ نكت" أكثر منه "طباخ وجبات"!. «طباخ النكت» حرق «الكبسة» و«خشرة العشاء» أطعم.. و«خيشة الأرزاق» تسبق «كشتة المطراش» بين المدن عليك الرز وعلي الملح أما من لا يحصل على مثل هذه الفرص، فإنهم ينظمون رحلات يتقاسمون تكاليفها، وقد يلجأون لخيار القرعة، بحيث يكون "فلان" عليه الرز، و"فلان" الزيت، والآخر يحضر البصل وهكذا، إلاّ أن الرابح دائماً هو من توقع عليه القرعة إحضار "الملح"، أو "الكبريت"، كما أنه من المحتمل أن يكون عدد أعضاء الرحلة أكثر من عدد المستلزمات التي يحتاجون لها ويتبقى واحد أو اثنان خارج حساب التكاليف، والقاعدة المعروفة حينها أن يقال فلان وفلان عليهم "الأكل"!. وتبقى حينذاك وسيلة النقل هي التي تحدد مسافة الرحلة ومدتها، بينما الجيل الذي قبلهم يستخدمون الإبل والدواب في الرحلات القريبة والمتوسطة -قبل توفر السيارات-، ويغلب عند مجتمع القرى والفلاحين استخدام الحمير -أجلكم الله- ويُسيّرون لمثل هذه الكشتات موكب من الحمير التي يمتطون ظهورها بعد أن يضعوا على جانب كل حمار أغراض الرحلة ويعدلونه من الجانب الثاني ب"قربة ماء"، ويستخدم "الزكرتية" هذه الوسائل أيضاً، إلاّ الميسورين منهم فانهم يركبون الدراجات النارية أو الهوائية بعد توفرها. التخييم لأيام خارج المدن يترك في النفس أثراً خاصة مع خيوط الفجر كشتات الشُبّان وللشباب الصغار أيضاً رحلاتهم القصيرة التي لا تتعدى "كشتة شاهي"، وفي الغالب فهم أيضاً يتقاسمون المستلزمات، فأحدهم يحضر "الابريق" مملوءاً بالماء، والثاني السكر، وآخر يجلب الشاي، وزميله يأتي ب"البيالات"، حيث توضع العدة داخل "زبيل" ويخرجون يتبادلون حمله فوق رؤوسهم إلى طرف الحي، إما "شعيب" أو "ظل شجرة"، وربما "روضة معشبة"، ويحاول بعض الكسالى منهم تجنب عناء النقل فيضع السكر والشاي داخل الإبريق ويصب عليه الماء بارداً ويضع الكاسات في جيوبه قبل خروجه من المنزل، ثم ينقله بهذه الطريقة، فلا يتبقى عليه سوى إشعال النار عند وصوله المكان، وغلي الشاي لرفاقه. "عشاء الخشرة"! وفي فترة ليست ببعيدة، عَرف الشباب كشتات ليلية تسمى في القصيم "عشاء الخشرة"، وتعني المشاركة في التكاليف، حيث يختارون موقعاً خفياً إما في مزرعة بعيدة، أو منزلٍ مهجور، وتبقى مهمة جلب "الأيدام" -أي اللحم- على بعض المغامرين الذين يهاجمون حظائر الدجاج والأرانب والحمام ليلاً، والتي كانوا قد رصدوا مكانها ومسالكها وبيوت أصحابها في القرية أو الحي في زيارة نهارية استباقية تحت مسمى "السلام على الشايب" أو السؤال عن الصحة، وهي في الحقيقة زيارة استخباراتية يحاول من خلالها الزائر أن يجر "مضيفه" لكشف أي معلومات تسهم في نجاح "المداهمة"، ويحرص أن تكون أسئلته هامشية وغير مباشرة حتى لا تثير شكوك المتلقي مثل قوله "بغيت أسيّر عليكم البارح بعد إعلان رحلة المدرسة:«على كل طالب إحضار بيالته حتى يشرب بها الشاي ويرشف بها المرق ويعود بها إلى بيته»! العشاء الأخير وخفت إنكم نايمين"!، في هذه الحالة سيكون الضيف في غاية السرور فيما لو أجاب المعزب "لا والله حنا نتعب وننام مبكرين"، وبذلك يكون قد عَرف موعد نومهم، وتبقى المشكلة فيما لو رماك القدر وحاولت أن تُلمح بمثل هذه العبارات التجسسية ل"حرامي دجاج تائب" وأنت لا تعلم، مثل ذاك الذي زار جاراً له من هذا النوع وللغرض نفسه، فاستقبله وتبادل معه التحايا الحارة والأخبار، وعند ما حان وقت الوداع التفت الضيف إلى "بيت الدجاج" محاولاً أن لا يخرج قبل أن يحصل منه على أي معلومة، فلم يجد سوى القول "ما شاء الله دجاجكم طيب لكن ترى يقولون عندنا قطو ما هو صاحي؛ جوّدوا عليهن الباب"، فردّ عليه مضيفه "اللكيع"، وهو يهز يده للتوديع "شكراً على الزيارة والله يحييك و"يبارك بالدجاج" اللي خلاّنا نشوفك!". جمعة «الطيبين» أجمل ما في البر..قصص ومواقف وشعر رحلات مدرسية ويتذكر جيل السبعينيات والثمانينات الهجرية أجمل الرحلات المدرسية التي كانت تنظمها المدارس وتعلن عنها قبل الموعد ببضعة أيام، حيث يجمع تكاليفها الطلاب والمعلمون، وكان أهم إعلان ويكاد يتكرر في كل مدرسة هو التأكيد على كل طالب أن يحضر صباح يوم الرحلة ومعه "بيالته" -إناء شرب الشاي" التي لا بد أن يأتي بها من المنزل، وقد يكون الطالب صغيراً فيحضر صباح يوم الرحلة، وقد ربطتها له أمه في طرف غترته، ويكتب لها إعلان بارز في العادة يعلق على الحائط بالصيغة الآتية "نرجو من كل طالب إحضار بيالته معه يوم الأربعاء حتى يشرب بها الشاي، ويرشف بها المرق علماً أنها تبقى معه ويعود بها إلى بيته"!، وفي اليوم المحدد يُجمع الطلاب على ظهر سيارة ونيت أو أي وسيلة متاحة حتى تنطلق الرحلة، ويتذكر أهالي إحدى القرى بمحافظة الأسياح أن قريتهم كانت شبه خالية من السيارات سنة (1389ه) تقريباً عدا "قلاب فورد" يخص أحد فراشي المدرسة، وكان هذا القلاب هو الوسيلة التي نقلت الطلاب في رحلاتهم لبضع سنوات. بداية رحلات العوائل ومع استمرار تحسن الوضع المعيشي نسبياً في تلك الفترة، عُرفت آنذاك "كشتات الأسر" عندما يجتمع عدد من الجيران أو الأقارب ويخرجون مع أسرهم إلى أحد الأماكن التي تتوفر بها سبل التنزه البري، ولما كانت مشكلة توفر وسائل النقل وندرة السيارات التي لا يوجد منها في القرية أو الحي سوى سيارتين إلى ثلاث هي العائق الوحيد؛ كانوا يستعينون بفزعة جيرانهم ممن يمتلك سيارة، أو يستأجرون سيارة تنقلهم مع متاعهم وخيامهم إلى المكان المحدد للرحلة، ويحددون مع صاحبها يوماً معيناً يرجع لهم حتى يعود بهم إلى منازلهم، ولأن العطل الرسمية تكاد تكون محصورة على إجازة العيدين فإن أغلب الرحلات تتم في هاتين الإجازتين، خصوصاً إذا صادفت ربيعاً وأجواء معتدلة، أما اختيار الموقع فإنه يُحدد حسب الإمكانات ومدة العطلة، لكنهم يحرصون على التوجه لمواقع مشهورة ومعروفة يقصدها المتنزهون من مختلف الأماكن. رحلة البر تحتاج إلى رفقة «شرواك الطيب» و«هب ريح» ربيع الأرض تختلي فيه النفس بعيداً عن هموم الحياة بدايات الربيع تجذب المتنزهين في الصمان نفود وبحيرة متنفس الشباب والعوائل معاً