جدة: نجلاء الحربي ترضخ العديد من الفتيات المقبلات على الزواج لشروط أسرهن وخاصة أولياء أمورهن الذين يتخذون منهن سلعة تجارية رابحة، فمن يدفع مبلغا ماليا مرتفعا يستطيع الحصول على هذا السلعة، ومن لا يقدر فلا ..، وقد يصل الطمع ببعض الآباء للحصول على جزء من المهر المدفوع باعتبار أنه حق له، ورد لجميل التربية التي استغرقت سنوات طويلة في الصرف على الفتاة وتعليمها . فاطمة (27 عاما) فتاة أجبرها والدها على أخذ نصف مهرها لكي يقبل بزواجها من شاب متقدم لها، تقول "قبل سنتين تقدم شاب لخطبتي، لكن والدي رفض قبوله إلا بأخذ نصف المهر، واشترط أن يكون سبعين ألف ريال، مدعيا أن له حقا في ذلك، مقابل مصاريف تربيتها طيلة تلك السنوات الماضية. ولا تختلف قصة ثرية (معلمة بالمرحلة الابتدائية تبلغ من العمر 46 عاما) عن سابقتها، لكن وجه الاختلاف في المبلغ، حيث رفض والدها قبول الخاطب المتقدم إلا بعد دفع مهر قدره خمسون ألف ريال إضافة إلى 10 آلاف ريال يأخذها الأب لنفسه لكي يقبل الزواج مما جعلها تتقدم في السن، وتصبح في عداد العوانس. وأكدت أستاذة علم النفس التربوي بجامعة الملك عبدالعزيز بجده الدكتورة نوال الضبيبان أن "سلب مهر الفتاة يعد من الجرائم الشرعية والأخلاقية والاجتماعية، لما يترتب عليه من تأثير سلبي كبير يتجاوز الجوانب المادية، إلى أخرى نفسية واجتماعية على الفتاة في المستقبل القريب والبعيد على حد سواء". وأضافت أنه يمكن ملاحظة هذا الأمر عندما نرى أن ولي أمرها (الأب أو الأخ أو من يقوم مقامه) هو من يسلب مهرها، كأن يأخذ جزءاً منه ويعطيها الأقل أو أن يأخذه كله دون أن تنال منه ما يمكن أن يساعدها في تجهيز نفسها كعروس. وقالت الدكتورة الضبيبان إن "ذلك ينعكس على نظرة وموقف زوجها منها، فربما يكون ذلك امتدادا لهدر حقوقها من قبل زوج المستقبل، ومطالبتها بما يتجاوز واجباتها، أو بتدني درجة الثقة بالنفس لدى الفتاة التي تشعر بعدم القدرة على الحصول أو حتى المطالبة بحقوقها الشخصية من زوجها، لأنها لم تستطع الحصول عليها أصلا من أهلها"، مشيرة إلى أن العديد من الدراسات النفسية والاجتماعية المسحية على عينات عشوائية من الفتيات اللاتي واجهن مشكلات زوجية أدت في بعض الحالات إلى الطلاق أكدت وجود علاقة إيجابية بين تقدير الزوج لزوجته وبين تقدير أهلها لها، ومن مظاهر تقدير الأهل عدم سلب مهرها أو حتى راتبها في حال كونها موظفة". وعن دوافع سلب الأهل حقوق الابنة قالت الدكتورة الضبيبان إن هذه الدوافع تتعدد، ومنها الاعتقاد بأنه لا مسؤولية للفتاة عن حقها المادي، وهذا يدخل ضمن مفاهيم الوصاية الأبوية ومركزيتها، ومنها الوضع الاقتصادي للعائلة – إذا كانت على مستوى اقتصادي ضعيف- فإن المهر يعد في هذه الحالة مصدراً مالياً يسد الحاجة، ومنها استغلال الفتاة والحصول على مهرها من منطلق "أنت ومالك لأبيك". وأكدت أنه بغض النظر عن الأسباب المؤدية إلى سلب مهر الفتاة، فإنه غير مقبول إطلاقا لا شرعا ولاعرفا . وقال عضو المحكمين بوزارة العدل الدكتور أحمد عبدالقادر المعبي إن "المهر ذمة مستقلة للمرأة، لا يشاركها بها شخص، ولا يحق للولي الأخذ منه إلا إذا تبرعت الفتاة بجزء منه إلى وليها، ويأثم بأخذه بدون وجه حق فسلب الآباء صداق بناتهم اعتداء على إنسانية المرأة ومخالف لما أمر به الله وهذا من باب النصب والاحتيال أخذ مهور الفتيات من غير رضى". وأكد المعبى أنه أضيف في عقود النكاح خانة من قبل وزارة العدل يتم فيها ذكر من يستلم الصداق، مشيرا إلى أنه لا يمكن تجاوز القاعدة العامة في تسليم الصداق للفتاة بيدها، لأن أقرب إنسان للفتاة والدها، ومن المتعارف عليه في العادات والتقاليد أنه لابد من تسليم الصداق للولي كعرف اجتماعي وإذا كان ولي الأمرغيرالأب، فيمكن الحرص في عدم تسليم الصداق لغير المخطوبة لأن الأمر يختلف هنا. وأكد المعبي أن سلب مهر الفتاة لا يحدث إلا في الأسر المتدنية وغير المتعلمة أما الأسر المتوسطة والراقية فلا يحدث ذلك فيها من جهته أكد العضو المؤسس في الهيئة العالمية للمرأة والأسرة والاستشاري الأسري الدكتور خالد باحاذق أن "أخذ جزء من مهر الفتاة يعتبر ظلما لها وسلبا لحقوقها وبعض الآباء يتخذ من بناته تجارة رابحة، بطلب مبالغ مالية قد تفوق الخيال من الشاب الذي يتقدم للزواج، ولا يكون للمرأة نصيب منها". وشدد على وجوب الابتعاد عن جعل العرف هو المتحكم في العادات والتقاليد في المجتمع، فالعرف إذا لم يساهم مساهمة إيجابية في مبادئنا وقيمنا، فهذا عرف مرفوض والزواج شراكة بين الرجل والمرأة"، مؤكدا أن تدخل الآباء في هذه الشراكة بطريقة مجحفة ، وبشكل غير مناسب مع تطلعات المرأة لا يصح . وأكد الدكتور باحاذق على ضرورة إيصال الصداق للفتاة، إما عن طريق الأب أو الأخ أو عن طريق الخاطب فجميع الوسائل الشرعية تؤكد على أن المرأة لها الحق في الحصول على الصداق من الخاطب ولكن نجد التقاليد البالية التي تمنع أن يسلم المهر للفتاة نفسها فهناك وسائل عديدة يمكن أن يتم تسليم المهر للفتاة وقد يكون عن طريق أسرته وبذلك يضمن أن يصل المهر للفتاة لأنه حق شرعي لا اختلاف عليه.