استخدمت الشرطة السودانية أمس الغازات المسيلة للدموع لتفريق آلاف المتظاهرين الذين نزلوا إلى شوارع الخرطوم وضواحيها في اليوم الخامس من موجة احتجاجات على رفع الدعم عن الوقود أوقعت عشرات القتلى. وبينما أقرت الداخلية السودانية بسقوط 29 قتيلا بينهم رجال شرطة، قال ناشطون إن العدد يتجاوز 200 شخص قتلوا برصاص قوى الأمن، فيما اعتقل العشرات وأصيب المئات. وكشف وزير الداخلية السودانى إبرهيم محمود حامد أنه تم اعتقال 600 شخص لتورطهم في "الاضطرابات". وفي أم درمان، المتاخمة للخرطوم، قال شهود عيان إن نحو ألفي متظاهر يهتفون في الشارع الرئيسي "يسقط حكم العسكر" و"لا لرفع الأسعار" و"حرية، حرية" ويحاولون بصعوبة حماية أنفسهم من هذه الغازات. ومع إطلاق أولى قنابل الغاز المسيل للدموع هتف المتظاهرون "سلمية سلمية" فيما حمل بعضهم علما عملاقا للسودان وهم يرددون النشيد الوطني. وقام آخرون بإحراق إطارات السيارات على مفارق الطرق الرئيسية فيما تجنبت الشرطة الاشتباك مع المتظاهرين. وفي وقت سابق قامت قوات الأمن بتفريق تظاهرات صغيرة انطلقت عقب صلاة الجمعة في عدد من شوارع أم درمان مستخدمة القنابل المسيلة للدموع. وبعد الفرار من الشرطة انضم هؤلاء المتظاهرون إلى المسيرة الكبيرة في الشارع الرئيسي. كما أطلقت الشرطة القنابل المسيلة للدموع في حي الخرطوم بحري شمال العاصمة وفي الأحياء الجنوبية والشرقية للمدينة لمحاولة تفريق مسيرات مشابهة تضم كل منها آلاف المتظاهرين، كما أفاد شهود عيان. وعلى رغم ذلك بقي معظم المتظاهرين في الشوارع وهم يرددون هتافات معادية للسلطة، حسب الشهود أنفسهم. وفي مدينة ودمدني، جنوبالخرطوم، حيث انطلقت حركة الاحتجاج الاثنين الماضي، فرقت قوات الشرطة تظاهرات متفرقة في أربعة أحياء، حسب سكان. وانتشرت قوات الشرطة والجيش بقوة في العاصمة وضواحيها تحسبا لهذه التظاهرات التي دعا إليها ناشطون يطالبون برحيل الرئيس حسن البشير وأيضا الزعيم المعارض الصادق المهدي. وتستمر الحكومة في لزوم الصمت بشأن حركة الاحتجاج غير المسبوقة في اتساعها منذ تولي الرئيس عمر البشير الحكم في 1989، حتى وإن حذر والي الخرطوم عبر التلفزيون من أن الشرطة ستتصدى لأي "مساس بالأمن أو الأملاك أو الأشخاص". واتهمت منظمتان للدفاع عن حقوق الإنسان "المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام" و" العفو الدولية" قوات الأمن بتعمد إطلاق النار على المتظاهرين، مشيرة إلى سقوط 50 قتيلا في مختلف أنحاء البلاد، وطالبتا السودان أن "يتوقف على الفور عن هذا القمع العنيف". وتحسبا للتظاهرات الجديدة تم نشر تعزيزات كبيرة للشرطة في الخرطوم تساندها في بعض النقاط قوات من الجيش. وتمركز الجنود في محيط بعض المباني العامة بينها شركة الكهرباء. وكانت مجموعة تطلق على نفسها تحالف شباب الثورة السودانية تشارك في الاحتجاجات طلبت في بيان "استمرار الانتفاضة" وتنحي الرئيس والحكومة "الفاسدة". في الأثناء فإن شبكة الانترنت التي عادت للعمل أول من أمس تعطلت مجددا. وفي محاولة للتضييق على الصحافة، منعت السلطات ثلاث صحف من الصدور رغم كونها مقربة من السلطات، وذلك في سبيل التعتيم على التظاهرات. والصحف هي: السوداني والمجهر السياسي والوطن. من جهته، أكد نائب الرئيس السوداني الحاج آدم يوسف، أن المتورطين في أحداث التخريب والتدمير المؤسفة للمرافق العامة وممتلكات المواطنين، خلال الاحتجاجات التي شهدتها البلاد، سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية والقضائية الصارمة تجاههم. وفي السياق، شن الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بزعامة محمد عثمان الميرغني هجوما عنيفا على الحكومة وأدان بشدة استخدامها القوة المفرطة في مواجهة المتظاهرين، ووصف القتلى في التظاهرات بالشهداء ونقل تعازيه لأسرهم. ووضع الحزب استمراره في الحكومة مقابل تراجعها عن قرار الزيادات التي فرضتها على الوقود، محدداً الأحد المقبل موعداً لاجتماع هيئته القيادية للنظر في أمر الانسحاب حال إصرار الحكومة على الاستمرار في الزيادات. وكشفت حكومة ولاية الخرطوم عن إحصائية أولية للخراب الذي حاق بمحطات الوقود والعربات الحكومية. وقدرت بعض الدوائر الحكومية الخسائر بملايين الدولارات، لافتة إلى أن عمليات الحصر والتقييم للممتلكات العامة والخاصة مستمرة، وأن تقريراً تفصيلاً سيصدر بها خلال الأيام المقبلة.وقالت إن 69 محطة وقود تأثرت جراء الأحداث التي شهدتها الولاية، كما تم حرق 105 من الأتوبيسات الحكومية. ومنذ قرار الحكومة الاثنين الماضي برفع الدعم عن المحروقات تظاهر السودانيون بكثافة في العديد من المناطق وتحولت التظاهرات في بعض المناطق إلى صدامات وهجمات على الأملاك العامة والخاصة.