إننا دائما نعيشُ في عباءةِ الماضي؛ ونتقلب في هَودجِه غير مُبالين بأن تلك اللحظات التي تُسرق من أعمارنا ستُطوى ضمن صفحات الماضي أيضاً. ولا ينتبه الواحد منا إلى تلك الحقيقة إلا عندما يصطدم بجِدار الواقع ليكتشف أنه ابن الماضي ومن نسيانه للحاضر الذي ربما أخفق في كل المحاولات لإيقاظنا، قد فقد كل شيء حوله.. هذه هى الحقيقة المُرة التي دائما ما نستشعر بأجوائها فجأةً ليشعُر الواحد مِنا أنه قد أُصيب بالدوران والغثيان المفاجئ جَراء تلك الصدمةِ من جِدار الواقع. حقيقةً الأمر جَد خطير، لأننا عندئذٍ ندرك أننا في ثوب الخطايا كُنا نعيش الغفلة.. الغفلة من الصواب والمحاولات الباهظة للانجراف إلى ما يُنسينا حاضرُنا؛ أشبه بمن يتعاطى الكحوليات رغم معرفته بتحريمها وليس عشقاً لها، إنما لأنه قد ملّ الحاضر؛ فأبى إلا الانتحار البطيء. هكذا نحن نمل يوميات الحاضر فتأخذنا أنفسنا في كل لحظةٍ لنشُم عَبق الماضي ونعيش في أجوائه، وننسى أننا في يومِ جديد وعلى أعمالنا سيكون شهيدا. ولا نتدارك لحظة الغفلة هذه إلا ونحن على بوابة مرحلة جديدة من أعمارنا لنستشعر أن حلقة ما في هذا العُمر لم نعشها كما ينبغي ونقول ليت الزمان يعود يوما، لعلى أعمل صالحا فيما تركت من زمني ولكن هيهات. ولكن ربما نحن كمُسلمين نُدرك أنه في أشد لحظات الطيش وعندما نتعرى أمام أنفسنا وندرك المساوىء فينا؛ عندئذ وفي تلك اللحظة نُدرك أننا في ساعة النجاة وإنما ما توارت العيوب عُمرا إلا ستراً، وما ظهرت فجأةً إلا رحمة من الله لنعود إليه في ثوب الطاهرين التوابين ونُقبل على الحياة في مسار الصالحين ونختتم الأعمالَ برائحة الصفاء والنقاء، ونكون لهذه الأرض مُعمرين، ويوم القيامةِ من السابقين السابقين.