في مفارقة لافتة شهدها مهرجان "قس بن ساعدة" بنجران خلال يومين من الفعاليات المتنوعة، لم يكن هناك أي فاصل بين حديث الشعر الجاهلي وموسيقاه، وتاريخ وعراقة منطقة نجران، ونقاشات الحداثة والنظريات الأدبية الغربية والصور الشعرية لقصيدة النثر، سوى بضع دقائق في حساب الزمن، وأمتار في حساب المسافات. ففي الوقت الذي كان فيه الناقدان الدكتور مراد مبروك (مصر) والدكتور إبراهيم النعانعة (الأردن) يسبران حياة وإبداع الشاعر النجراني "عبديغوث الحارثي" في ندوة مساء أول من أمس عن "حياته وشعره" ويتلمسان مواطن الإبداع في قصيدته "اليتيمة"، كان عدد من شعراء "قصيدة النثر" من عدة بلدان عربية يتأهبون لصعود منبر أمسية تليها مباشرة. وعلى بعد خطوات من "منبر النقد والشعر"، تتزاحم المناكب ويضيق المكان بعشرات الزائرين لخيمة "نجران في السبعينات" التي يعرض فيها الفنان الفرنسي "تشيكوف مينوزا" حوالي 800 صورة عبر شاشات إلكترونية، توثق معظم مظاهر الحياة في نجران قبل ثلاثة عقود، وسط نغمات فن "الزامل" التي تتسرب للآذان من خلال سماعات موزعة في المكان. ويقابل خيمة "تشيكوف" معرض الكتاب المصاحب للمهرجان الذي تشارك فيه أكثر من 50 دار نشر عربية، ويضم كذلك جناحين للهيئة العامة للسياحة والآثار ودارة الملك عبدالعزيز تعرضان فيهما صورا نادرة عن تاريخ وآثار نجران، ومما لفت نظر الزوار في معرض "الدارة" مخطط لشجرة العائلة المالكة منذ عهد الدولة السعودية الأولى يضم حوالي 6000 اسم قام بحصرها الباحث عبدالرحمن الرويشد حسب ما ذكره ل"الوطن" أحد القائمين على الجناح (حمد الطخيس). الشعر الجاهلي ما زال مدفونا وفي سياق حديثه عن الشعر الجاهلي من خلال درسه لحياة "عبديغوث الحارثي" يؤكد الدكتور إبراهيم النعانعة أن هناك أكثر من(1000 شاعر جاهلي لم يُدرسوا حتى الآن وأن ما وصل من شعرهم ما زال عبارة عن مخطوطات في مكتبات غربية). ويرى النعانعة أن( بعض النقاد ما زالوا يخلطون بين "لامية" دريد بن الصمة و"لامية" عبديغوث الحارثي، وذلك لأنهما يحملان نفسا واحدا وهما واحدا، وهو الأعراف القبلية القاسية التي ترفض الهزيمة. قصيدة النثر تسيطر على المنبر وبمجرد نزول الناقدين "نعانعة" و"مبروك" من منصة الإلقاء صعد لها أربعة شعراء عرب يكتبون قصيدة النثر، ولكن المثير أن صعودهم لم يكن تقليديا، حيث بدا الأمر أشبه بالدراما، خصوصا بعد أن تقدم أبطال ملحمة "شيخ العرب" لدعوة الشعراء للمنصة، حيث بدأ الفنان السعودي خالد الحربي بدعوة الشاعر المصري أحمد الشهاوي لإلقاء قصائده النثرية في جولة أولى، ثم تقدم مدرب الجموع ومصمم الاستعراضات السوري طلال بدوي ودعا الشاعر اليمني علي المقري، تلاه مخرج الملحمة السعودي سلطان الغامدي ليدعو الشاعر المغربي ياسين عدنان. واكتمل الشعراء بدعوة المستشار الفني للعمل المخرج المصري صبحي يوسف للشاعر السعودي علي الحازمي. ولم يقتصر حضور قصيدة النثر على تلك الأمسية، فقد فرضت وجودها في أصبوحة شعرية تونسية نظمت أمس في بهو الفندق مقر الضيوف حيث قدم فيها الشاعران التونسيان الدكتور العادل خضر وشوقي العنيزي أحدث ما كتباه شعرا.