لم يكن غريبا أن تلعب التكنولوجيا الذكية دورا بارزا في نجاح السلطات الأميركية في القبض على "جوهر وتامرلان تسارناييف" الشقيقين المشتبه في تورطهما بارتكاب تفجيرات بوسطن، بصورة جعلت كثيرين يرون أن الهواتف النقالة الذكية أصبحت بديلا قويا لكاميرات المراقبة في تحقيقات الشرطة، حسبما يقوله تيلو فايشرت، المكلف بحماية البيانات في ولاية شليسفيج - هولشتاين بألمانيا. ويضيف فايشرت، في مقابلة أجرتها معه إذاعة صوت ألمانيا، إن "تطور التقنيات الحديثة أصبح له أثر كبير على مجالات متعددة في حياة الإنسان، وإحدى هذه المجالات هو عالم الشرطة والجريمة، الذي استفاد بشكل جيد من هذه التقنيات، خاصة في الأحداث الإرهابية التي شهدتها بوسطن مؤخرا، فمع تطور التكنولوجيا الذكية أصبح بإمكان الكثير من الأشخاص العاديين التقاط كثير من الصور التي تفيد سير التحقيقات، ويتم الاستعانة بها من طرف الشرطة، وهذا بالطبع أمر يجب تشجيعه، إذ ساعدت تلك التكنولوجيا الذكية على توفير شهود عيان يمكنهم توثيق شهاداتهم بالصوت والصورة، فضلا عن أن تلك التكنولوجيا الذكية حققت تطورا تقنيا كبيرا فيما يتعلق بالتصوير الثلاثي الأبعاد، والمراقبة بالكاميرات بواسطة طيارات بدون طيار، إضافة إلى مراقبة شخص معين بواسطة كاميرات متعددة، حيث تساعد الصور ثلاثية الأبعاد على التعرف على ملامح المجرمين، وهو ما حدث في تتبع المشتبه في ارتكابهما تفجيرات بوسطن". وتشير صحيفة "بوسطن جلوب" إلى أن "تكنولوجيا التصوير الحراري ساعدت أيضا رجال شرطة مدينة بوسطن الأميركية في القبض على الشيشاني جوهر تسارنيف البالغ من العمر "19 عاما" المتهم الثاني في التفجيرات، الذي اختبأ في قارب المواطن الأميركي ديفيد هينيبيري كمحطة أخيرة له في حي ووترتاون، بعد أسبوع من أحداث العنف، إذ أبلغ هينيبيري الشرطة المحلية عن ملاحظته وجود قطرات من الدماء في قاربه أثناء جلوسه في الفناء الخلفي للمنزل، وعلى الفور استخدمت السلطات الطائرات الهليكوبتر المجهزة بتكنولوجيا التصوير الحراري واكتشفت جسد شخص بالقرب من القارب مغطى بالقماش، لكنه ما زال على قيد الحياة". وتضيف الصحيفة أن "التصوير الحراري" يعدّ من أحدث أساليب البحث الجنائي العالمية، التي تستطيع الكشف عن الأجسام التي تصدر عنها الحرارة داخل منزل، أو سيارة، أو مثل هذه الحالة داخل قارب.وامتدت المساعدة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، التي خاضت حربها الخاصة للمساعدة في فك طلاسم تفجيرات بوسطن، حيث تبادل نشطاء "فيسبوك" و"تويتر" صورا يتهمون فيها أشخاصا اتضح فيما بعد عدم وجود علاقة لهم بالتفجيرات، مما دفع الشرطة الأميركية بدورها للاستعانة بتلك الوسائل لنشر مستجدات التحقيقات، والبحث عن المشتبه بهم في التفجيرات، وجمع أكبر كم من الصور التي التقطها الأشخاص الذين شهدوا أحداث الماراثون لتحديد الأشخاص المشبوهين، وهو ما ساعد فعلا على العثور على جوهر تسانييف المعروف بلقب "صاحب القبعة البيضاء". وفي المقابل، ذكرت شبكة "سي إن إن" الأميركية الإخبارية أن "الدور الذي لعبته شبكات التواصل الاجتماعي في التعرف على المشتبه في تورطهما بارتكاب تفجيرات بوسطن لم تخل من الوقوع في الخطأ، إذ سارعت بعض الصفحات بنشر معلومات حول أشخاص اتضح فيما بعد أنه لا علاقة لهم بالتفجيرات، فقد نشر موقع "Reddit" الأميركي صورة لأحد طلاب جامعة براون، مشيرا إلى ارتكابه الحادث، وهو ما دفع عائلة الشاب للرد على مسؤولي الموقع ببيان أشاروا فيه إلى "الكم الهائل من الألم" الذي تلقوه خلال الاثنتي عشرة ساعة الأولى بعد أحداث بوسطن، من جراء نشر هذا الخبر، كما نشر مستخدم للموقع نفسه صورة لشابين أحدهما مغربي الأصل يحمل حقيبة ظهر بدت ثقيلة، مشيرا إلى أنه هو المسؤول عن الحادث، إضافة إلى نشر جريدة "ذا نيويورك بوست" صورة الشابين على صفحتها الرئيسة بعنوان عريض "رجال الحقيبة: الفيدراليون يبحثون عن الرجلين في الصورة"، واتضح لاحقا أن الشخص الذي في الصورة هو عداء مغربي شاب يقيم في بوسطن ويبلغ من العمر 17 عاما، وقال في تصريح له مع إحدى الوكالات الإخبارية، "إنه لم يكن يجرؤ على الخروج من منزله عندما علم بالخبر". ويقول الخبير الأمني العميد محمود قطري، إن التطور التكنولوجي يساعد كثيرا في الملفات الجنائية، مبرهنا على ما قاله في تصريحاته ل"الوطن" بحادثة وزير المالية الفرنسي جيروم كاهوزاك، الذي استقال من منصبه بسبب تسجيل صوتي مدته ثلاث دقائق وخمسين ثانية، إذ استخدمت الشرطة العلمية برنامجا معلوماتيا متطورا جدا للتعرف الصوتي تضمن تسجيلا صوتيا له وهو يعترف بامتلاكه حسابا مصرفيا في الخارج منذ نحو عشرين عاما ويضم 600 ألف يورو. وأضاف قطري أن "الشرطة العلمية استعانت لتحليل الصوت ببرنامج معلوماتي للتعرف الصوتي يسمى "Batvox"، وهو برنامج تم تطويره خصيصا للشرطة العلمية الرقمية ويتميز بقدرته على التعرف وتحديد الأصوات بمختلف اللغات واللهجات.