خرقت محافظة الرقة السورية أمس، حاجز الرعب الذي عاشته في كنف نظام "الأسدين الأب والابن" قرابة أربعة عقود خلت، وأسقطت رمزية حكم الأسرة الأسدية، المتمثل في "تمثال حافظ الأسد"، في ساحة الإطفائيين بقلب المحافظة، التي تحولت إلى "ساحة الحرية"، وهو التمثال الذي بلغ يوما ما، ثمن محاولة إسقاطه ثلاثين قتيلا، من الثائرين بوجه نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وبإسقاط التمثال، تخرج المحافظة ذات الطابع العشائري، وذات المليون ونصف المليون لاجئ وفار من نيران قوات الأسد، من رداء الرعب الذي جسدته مدة "الحكمين"، بعد أن أمضت عامين من الهدوء النسبي، الذي يتخلف عن نظيراتها من المحافظات السورية، التي نفضت ونزعت رداء الخوف من حكم نظام الأسد "الهمجي". وبعد ثلاثة أيام من المعارك الطاحنة والكر والفر، تمكن أمس الثوار والجيش السوري الحر من السيطرة على أجزاء المحافظة، التي تم تحرير ريفها بالكامل قبل أسابيع، فيما لا تزال قوات الأسد تطل برأسها من مناطق متاخمة، وهو الأمر الذي ينبئ بخطر حذرت منه مصادر "الوطن" في صفوف المعارضة، وتوقعت أن تكون ردود فعل النظام أكثر شراسةً مما في هذا التوقيت على وجه الخصوص. وعزت المصادر تلك التخوفات إلى وجود اللواء الثالث والتسعين، الرابض في منطقة "عين عيسى" الواقعة شمالي الرقة ب56 كلم، إضافة إلى مطار الطبقة العسكري، الذي ما تزال قوى الأسد تفرض سيطرة جزئية عليه، على الرغم من محاصرته من قبل قوات الجيش الحر، إضافة إلى الفرقة السابعة عشرة التابعة للجيش السوري النظامي. وسيطر الثوار ميدانيا في بداية تنفيذ التكتيك العسكري الرامي إلى السيطرة على المنطقة، على مواقع عدة، بينها سياسية وأمنية وحزبية، فيما تمكن الجيش الحر من السيطرة أيضا على السجن العام بالمحافظة، وتمكنوا من إطلاق سراح من يوصفون ب"سجناء الرأي"، في خطوة أعطتهم ميدانيا قدرة أكبر لتنفيذ الخطة العسكرية التي خلصت المحافظة من براهن النظام. وتأخرت محافظة الرقة ذات الجغرافية المختلفة عن غيرها، لقربها من الحدود التركية مسافة لا تزيد عن تسعين كيلو مترا، وهو ما يجعلها في وضع حيوي، لزيادة أعداد اللاجئين من المحافظات الأخرى، الذين قدرتهم تقارير بأكثر من مليون ونصف المليون لاجئ، وهو الأمر الذي زاد التركيبة السكانية، وأعاق دخولها على خط الحراك المسلح نسبيا. وتصنف المحافظة من المناطق السورية "المهمشة" من قبل نظام الرئيس السوري بشار الأسد، كون أن تركيبتها السكانية تركيبة عشائرية، وهي الطبقة أو الفئة التي في الغالب ما كان يتعامل معها الأسد، بنوع من الترهيب، مقابل السير بحزبية بعثية خالصة، حتى وإن أعطى وأضفى نوعا من الشرعية الحكومية على بعض أهاليها، من خلال منحهم حق المشاركة في مجلس الشعب السوري، أو اللجان الحزبية الوحيدة في البلاد، المتمثلة في حزب البعث الحاكم في سورية. ويعيد مشهد إسقاط تمثال الأسد الأب للأذهان، مشهد إسقاط تمثال الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.