مقال الكاتبة الفاضلة ملحة عبدالله، المعنون ب(فرنجة اللغة) المنشور في "الوطن" بالعدد رقم 4536 بتاريخ 1\3\2013، يؤشر إلى حالة كارثية لما وصل إليه واقع حال تعاطينا مع لغتنا العربية. وإشارتها إلى أن (نظرتنا الدونية لهذه اللغة، هي التي سمحنا نحن لها بالتخلخل ومراوغة اللغة، إن جاز التعبير، فتطور الأمر إلى أن أصبح الفرد منا ينطق كلمة عربية واثنتين إنجليزيتين..)، وهو ما يعكس خطورة تحديات العامل الذاتي من عوامل مسخ اللغة العربية، التي منها أيضا، إيكال تربية الأطفال إلى المربيات الأجنبيات، الأمر الذي يعمق حجم التأثير السلبي للعامل الذاتي لمسخ اللغة وفرنجتها، (فصرنا نتحدث الإنجليزية بفضل الله ثم بفضل الخادمات الآسيويات اللاتي تحويهن منازلنا) حتى بتنا نسمع البعض (يتباهى بأنهم تركوا حفيدهم للخادمة، لا يتحدث إلا معها كي يأخذ منها اللغة، فنسوا أن تعليم الطفل اللغة العربية في بداية التكوين هي من أهم مقومات جهاز النطق وبلورة الذاكرة). ولا بد من الإشارة إلى أن التوسع في استخدام اللهجة العامية هو عامل ذاتي آخر مضاف من عوامل مسخ اللغة العربية. فمن الضروري الإشارة إلى تحديات العامل الخارجي في التأثير السلبي على تنحية اللغة العربية بالحد من الاستخدام في أوساط الشباب، وفي مقدمتها الظاهرة الاستعمارية. فما إن بدأ احتلال أقطار العالم الإسلامي والوطن العربي، حتى شاع استخدام اللغات الأجنبية للمستعمر، وعلى رأسها اللغة الإنجليزية، واللغة الفرنسية في الأقطار المستعمرة، كإحدى وسائل الهيمنة الاستعمارية، وفرض الثقافة الغربية على ثقافة تلك الأقطار. ومن هنا بدأ إقصاء اللغة العربية يأخذ شكلا ممنهجا كهدف مركزي للعولمة. وقد تجلى هذا النهج بهيمنة اللغة الإنجليزية، وفرضها في كل مراحل الدراسة في معظم البلدان العربية. ولعل من المقلق حقا أن وسائل إقصاء اللغة العربية في العصر الراهن في ضوء ثورة الاتصال والمعلوماتية، قد تعددت بشيوع استخدام الفضائيات، والشبكة العنكبوتية بفضائها المفتوح في كل الاتجاهات، مما زاد من مخاطر عزل اللغة العربية بتأثير العامل الخارجي، بشكل أكثر حدة من ذي قبل، باستيراد مصطلحات جديدة شاع تصديرها إلى بيئتنا العربية، وتوسع استخدامها بشكل لافت للنظر في الأوساط المدرسية، والجامعية، بل وتعداها إلى صلب البيئة الاجتماعية العامة، وفي أوساط الشباب بشكل خاص، مما يصب في ذات استراتيجية عولمة الفرنجة، التي بدأت تعبث باللغة العربية في كل مجالات الاستخدام، لصالح ترسيخ استخدام اللغات الأجنبية العالمية، والإنجليزية منها بالذات، ليس فقط كلغة عالمية في تدريس العلوم في المعاهد، والجامعات، بل كلغة فنية في البرمجيات، وشبكة الإنترنت، والمواقع العنكبوتية، والقنوات الفضائيات وغيرها من وسائل الاتصال المعلوماتي. ولا شك أن التنكر للغتنا بما أفرزه من تحديات ذاتية، وبالتآزر مع تأثير العامل الخارجي، هو ما أدى إلى حدوث التطور المخيف وهو ظهور لغة (الفرانكو آراب) بين الشباب، وهو استبدال الأحرف العربية بأحرف لاتينية. وفي ضوء تلك التحديات، فإن الأمر يتطلب الانتباه إلى مخاطر تداعيات تنحية اللغة العربية عن الاستخدام في تلك المجالات، وما يعكسه هذا الحال من ضرر فادح على مستقبلها. ولذلك فلا بد من التحرك على عجل، ضمن خطة عربية مركزية مدروسة، لبلورة مشروع قومي للنهوض باللغة العربية يرتكز على قاعدة تعريب الدراسة، والتعليم في المدارس والجامعات والمعاهد العربية، لاسيما أن إمكانات التعريب تبدو اليوم أفضل من ذي قبل بكثير، بسبب توفر الكفاءات العلمية العربية التدريسية والمترجمة، وتراكم خبرتها في هذا المجال، آخذين بالاعتبار أن اللغة العربية تعتبر من أهم مرموزات الهوية العربية، ومن أبرز مقومات الوجود العربي. ولعل من نافلة القول في هذا المجال، الإشارة إلى أن الإسلام قد رسخ خصوصية اللغة العربية، باعتبارها وعاء التنزيل، ولغة الوحي، فامتلكت بهذا التشريف الإلهي على تأصيل: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، نوعا من الرمزية العالية، تحصنها من المسخ، وتحميها من الانقراض، طالما وجدت من أبنائها حرصا صادقا، على رعايتها، والمنافحة عنها. على أنه من الضروري عند ولوج هذا المعترك الحيوي، الانتباه إلى مخاطر الانخراط في الدعوات التي تصدر من المهووسين من المستغربين الدارسين في الخارج، ممن يروجون لاستخدام اللغات الأجنبية وبالذات اللغة الإنجليزية في التعليم والبحوث، بذريعة كونها لغة العصر في إنتاج العلوم الأم، تحت تأثير الانبهار الزائف بوسائل المعرفة في البيئات الأجنبية، إذ لا جرم أن التمادي في هذا النهج، وترك الحبل على الغارب، سيؤدي بالمحصلة إلى إلحاق ضرر فادح باللغة العربية، ناهيك عما يترتب على ذلك من مس بالهوية العربية، التي هي أهم مقومات وجود الأمة.