في الوقت الذي كانت تستعد فيه حنان يوسف لإتمام ترتيبات حفل زفافها من ابن عمها وسط مشاعر البهجة والفرح من الأسرة، بدأت أعراض مرض سرطان الدم تأخذ طريقها إلى جسدها، ليُحدِث لها صدمتين: صدمة خبر إصابتها بالمرض، وصدمة طلاقها الذي كان أشد وقعا. فالزوج بادر فور علمه بالخبر إلى تطليقها دون أن يستشير أحدا، مما تسبب في سوء حالتها النفسية والصحية معا. وهذا ما دفعها إلى الانتقال إلى منطقة أخرى لتعيش فيها وتتابع العلاج بمستشفى متخصص، في محاولة لنسيان التجربة. وبعد مرور مدة زمنية واستقرار حالتها، تمكنت من الحصول على وظيفة في القطاع الخاص، تناسب وضعها الصحي، وهناك تعرفت على زميل لها في العمل طلب الزواج منها، ووعدها بمساندتها في العلاج، وكان على حد قول حنان: "الطبيب بالدرجة الأولى والزوج بالدرجة الثانية، فلم يمل يوما من مرضي وإزعاجي له بمواعيد علاجي، بل كان الداعم لي بعد الله في مصابي". مفاجأة العلاج أما بدور الشابة العشرينية، فتختلف تجربتها عن تجربة حنان، إذ أصيبت بسرطان الغدد اللمفاوية، وهي في زهرة شبابها، إلا أن دعم والديها كان له الفضل بعد الله في تجاوز أزمتها الصحية بكل إيمان وصبر. وتقول والدتها ل"الوطن": كانت الصدمة في إصابة "بدور" بالمرض أكبر ما واجهته الأسرة طوال حياتها، وبمرور الأيام تعايشت ابنتي مع المرض، واعتادت على جلسات العلاج الدورية، ساعدها على ذلك الطبيب المعالج الذي قدم دعما كبيرا وتعاطفا إنسانيا مع الحالة. وفي منتصف مرحلة العلاج تفاجأنا بطلب الطبيب الزواج من ابنتنا، خاصة أنه من أكثر المدركين بآثار المرض ونتائجه على الحياة الزوجية، لا سيما العلاج الكيماوي الذي يقلل فرص الإنجاب، وتضيف: على الرغم من ذلك أبدى الطبيب استعداده للزواج بكل قناعة، وفرحت ابنتي حينها، إذ كانت تشعر بالارتياح تجاه الطبيب، واستمر هذا الشعور بعد الزواج، خاصة أنها تعيش حياة تتصف بالهدوء والراحة والأمل والتفاؤل في ظل زوج متفهم لوضعها الخاص ومساند لها في العلاج. تحدي الإصابة وذكرت رئيسة قسم الأشعة بمستشفى الملك فهد الجامعي بالخبر رئيسة حملة "الشرقية وردية" الخاصة بالتوعية بسرطان الثدي الدكتورة فاطمة الملحم، في حديث إلى "الوطن" أن "مرضى السرطان يستطيعون إكمال حياتهم الزوجية، والعيش بأمان نفسي واستقرار اجتماعي، كما يتمتع أقرانهم من الأصحاء في هذه الحياة"، مؤكدة وجود نماذج عدة في المجتمع السعودي، وفي عدد من مدن المملكة تمكنوا من اجتياز إصابتهم بالسرطان بالاتكال على الله أولا، ووقوف أهليهم بجانبهم ثانيا من أجل عيش حياة زوجية عادية. وتشير الملحم إلى أن قصص زواج مرضى السرطان موجودة وليست حالات شاذة، فهناك مصابون يتزوجون بأصحاء، أو يتزوجون بمرضى مثلهم، وقصص زواج المريضة من طبيبها المعالج المشرف على حالتها سجلتها مستشفيات المملكة سواء في الرياض أو المنطقة الشرقية أو محافظة الطائف، إذ تستعين "جمعية السرطان" في مختلف فروعها، بمثل هذه النماذج خلال برامجها التوعوية أو الدينية أو النفسية؛ كي توصل للمصاب رسالة بأن مريض السرطان أو مريضة السرطان يستطيع العيش في هذه الحياة، وتحدي إصابته وممارسة حياته اليومية بشكل طبيعي. دعم معنوي وأوضحت رئيس "لجنة الأمل وأصدقاء المرضى" بجمعية السرطان السعودية بالمنطقة الشرقية، فاطمة أكبر، أن لجنتها هي الأولى من نوعها في المملكة، والتي تعنى بتقديم مجموعة من البرامج لمرضى السرطان بالمنطقة وللجنسين رجالا ونساء، عبر الأنشطة التوعوية من جانب وتقديم الدعم المعنوي والإنساني للمرضى من جانب آخر، إذ تنظم اللجنة كل ثلاثة أشهر لقاء تجمع من خلاله مصابات السرطان بأنواعه، فهناك سرطان الدم وسرطان الرئة والرحم وسرطان الثدي الذي تشكل المصابات به 80% من منتسبات اللجنة وحضور برامجها. وتابعت أكبر القول: إن إصابتي بسرطان الثدي قد أثرت بشكل كبير في حياتي، إلا أن الأثر كان إيجابيا، فعلى الرغم من الحالة النفسية السيئة التي مررت بها بداية اكتشاف المرض إلا أن الإيمان بالله والإرادة والقبول بقضاء الله وقدره كانت أكبر داعم لي في مسيرة العلاج، التي كانت طويلة وتعلمت منها الشيء الكثير، مما جعلني أقف جنبا إلى جنب مع مريضات السرطان وأساندهم في علاجهم، الذي يبدأ من الرضا بما كتب الله وتقبل المرض بإيمان ثم متابعة خطوات العلاج الطبي من استئصال جراحي وعلاج كيماوي، وآخر هرموني على مدى خمس سنوات، إلا أن ذلك كله لا ينبغي أن يمنع المصابة من أن تكمل حياتها سواء الدراسية أو الزوجية أو الحياة العملية، مشيرة إلى أن اللقاء الدوري الذي تعقده اللجنة يستضيف مجموعة سيدات مصابات، يحكين تجربتهن مع المرض وينقلن للحضور كيف تعايشن أولا بأول مع الحياة بعد اكتشاف المرض دون يأس أو ملل، وهو الأمر الذي أثر على الحضور بشكل كبير وساعدهن في تقبل الحياة والتأقلم مع المرض. تبديد الخوف وأضافت أكبر أن اللجنة بالتعاون مع مستشفى أرامكو نظمت مجموعة من الزيارات لمريضات السرطان، وساندتهن في مراحل العلاج، خاصة أن كثيرات يبدين التخوف من البدء بالعلاج، إلا أن زيارات اللجنة التطوعية بددت هذا الخوف، عبر استعراض تجارب منسوباتها في مواجهة المرض، وتشجيع المصابة وأهلها على أهمية الالتزام بخطوات العلاج، لا سيما أن الحالة النفسية تؤثر بشكل كبير على العلاج والشفاء من المرض. وأضافت أن اللجنة تنوي خلال المدة المقبلة عقد شراكة مع مستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام؛ لزيارة مريضات السرطان، ودعمهن معنويا وإنسانيا بعد أن كانت الزيارات غير رسمية، تحمل طابع الودية بين المريضة من جانب واللجنة من جانب آخر، التي تستقبل طلبات المريضة وأهلها حول الحاجة للدعم النفسي، وعلى الفور تبادر اللجنة بزيارة المريضة سواء في المنزل لإقناعها بضرورة البدء بالعلاج أو في المستشفى للتخفيف من مصاب المريضة ومعاناتها، خاصة حين تجد من يساندها سبقها في هذه التجربة، مشيرة إلى أن عدد المنتسبات للجنة 400 سيدة متطوعة فيما لا يقل عدد المشرفين على اللجنة عن 50 شخصا غالبيتهم من مرضى السرطان، الذين يبذلون جهودا كبيرة في مساندة المصابين والمصابات بالمرض. تأهيل نفسي ورفضت أخصائية الطب النفسي الدكتورة نعمة فوزي، الحالة الانعزالية التي يعيشها عدد كبير من مرضى السرطان، موضحة أن عيادتها تستقبل المصابين، وتؤهلهم نفسيا لمواجهة المرض، وإكمال حياتهم بالتعاون مع ذوي المصاب، الذين يلعبون دورا كبيرا في مساندة المريض. وأشارت إلى دراسة أميركية أجراها مركز البحوث بأحد الجامعات المتخصصة تشير أن مرضى السرطان المتزوجين يعيشون أكثر من غير المتزوجين، ونسب شفائهم من المرض ترتفع أكثر من غيرهم، إذ يشعرون بجو الأسرة، مما يشجعهم على التعلق بالحياة والتحلي بالأمل والصبر من أجل إسعاد أفراد العائلة والبقاء بجانبهم، الأمر الذي ينعكس إيجابيا على حالتهم النفسية والصحية، مشيرة أن عيادتها كثيرا ما استقبلت المصاب بالمرض برفقة زوجته أو العكس، وذلك لمساعدة بعضهم البعض في إتمام العلاج النفسي والذي هو بداية خطوات العلاج الطبي.