وفاء آل منصور ما أبشع الشعور بالخيبة، حينما يتسلل دواخلنا كمتطفل يتلصص على دفاتر مذكراتنا الثمينة، فيفتح أولى صفحاتنا فيجدها مزينة ومزخرفة بأسطر من الذكرى العطرة لأشخاص كانوا معنا وما زالوا قابعين في داخلنا، لينتابه الفضول مجددا فيقلب الصفحة الأخرى ليجدها صفحة الود والعهود القاطعة، مطلية بألوان الوفاء وصدق الوعود.. فيتوقف عن فتح الثالثة شفقة منه ورأفة بحالنا.. فقد اعتزل التلصص منذ التماسه الوفاء بين أسطرنا القديمة.. فيتوقف نزف أقلامنا فلم يعُد هناك ما يحمسنا على تدوين ذكرياتنا ومواقفنا مع من خيبوا أملنا سواء بأفعالهم أو تصرفاتهم أو حتى بانسحابهم وهجرهم.. كم من والد خاب أمله في فلذة كبده، فلم يحقق ما يطمح إليه والده، وكم من معلم خيب أمله ذلك الطالب المجد ليسوء مستواه التعليمي عن المعتاد، وتبقى الخيبة الأكثر مرا وعلقما، خيبة الأخوة والصداقة، حينما تُغرس سهام الخيبة في داخلنا، فُشعرنا بأن العالم قد شُلت حركته وأصبح كسير الحال كحالنا.. الخيبة تتشكل في صراعات داخلية تسيطر على كيان الفرد، فتتلون أحاسيسه تبعا للموقف المخيب، ولكن تأثيرها أشد مفعولا على الشخص نفسه من طعنةِ الخِنجر.. أي خيبةٍ تكسر مجاديف الأمل بداخلنا، لم لا نستبقها فكريا قبل حدوثها، فنضع في مخيلتنا كلا الأمرين الجيد والسيئ أو أوسطهما أفضل.. كثيرون هم من سمعت عن خيبات أملهم، أو بالأحرى حدثوني عنها بأنفسهم، بينما كانوا يعزفون اللحن الحزين على هذه الخيبة التي أوقفت حياتهم، وجعلتهم في عداد البائسين المكتئبين، وكأن الحياة لن تستمر بعد.. الخيبة تحمل معنى الخذلان، كأن نقول خذلني فلان بفعله أو قوله، أو خذلت نفسي فلم أرتق للوصول لهدفي أو حلمي.. وهذا أشد أنواع الخيبة تأثيرا، فخذلاننا لأنفسنا وخيبة الشخص بنفسه يصل بنا إلى القاع معنويا، فيتدنى مستوى ثقة الشخص بنفسه ويتوقف عن المسير قُدما بسبب فشله في أمور حياته كالدراسة أو العمل أو حتى خيبته في عدم التوفيق بين حياته الخاصة وعمله.. فيشعر بالبؤس والشقاء وعدم قدرته على تحمل المسؤولية أو حتى الصبر.. لذا لا تدعوا خيبات الماضي وخذلان الحاضر تنهي حياتكم، بل استثمروها في صنع بدلات للحماية ضد جراح الآخرين وتصرفاتهم المخيبة للآمال.