اعترف الدكتور أحمد الدوسري، بأن أقسى ما مر عليه في حياته، هو اعتقاله كأسير حرب خلال الغزو العراقي للكويت عام 1990، إبان وجوده في تلك الفترة بالكويت. وقال في الأمسية التي استضافها نادي تبوك الأدبي مساء أول من أمس، وحملت عنوان "الحياة في عنق الزجاجة" "تم اعتقالي مع أخي، كنا في زنزانة واحدة، وكان أخي يملك ذاكرة قوية، فكنت كلما كتبت أبياتا ألقيها عليه فيحفظها، لقد حفظ الكثير من قصائدي من الضياع". وتحدث الدوسري وهو كاتب وشاعر بحريني في الأمسية التي أدراها رئيس أدبي تبوك الدكتور نايف الجهني، عن طفولته وكيف كان يعيش في عنق الزجاجة، محاصرا بالإبداع من ثلاث نواحٍ، الكتابة والتصوير والرسم، فلم يكن يعلم لأي فن ينحاز، حتى أتاه صديقه العُماني بأدوات الرسم والتصوير، ليجد أمامه القلم وينحاز للكتابة، وأضاف "اكتسبت عادة غريبة بفعل هذا الحصار، فصرت أقف وأتخيل عيني كاميرا، وأبدأ في اقتناص اللحظات لأخزنها في مخيلتي، كنت أعوض حرماني من الرسم، بالنظر إلى السقف وتخيله كلوحة، وأبدأ الرسم على الشاطئ، أو على ثيابي". ثم انتقل الدوسري لمرحلة تفجر الشعر، مؤكدا أنه عاش في عنق الزجاجة من خلال صراعه بين الشعر الشعبي، والشعر الفصيح، فالشعبي كان يدار في المجالس ويحاصره من كل جهة، بينما الفصيح يجده في الكتب والدراسة، صراعي في هذه المرحلة جاء بعد كتابة أول قصة لي، فشعرت بالذنب تجاه الشعر والرسم والتصوير، فدخلت في حصار نفسي بعد كتابتها". وتطرق الدوسري إلى سؤال اللغة والمكان وكيف عاش في عنق الزجاجة تجاه اللغة عندما سافر وعاش في الغربة. ثم عرج على حياته العملية، وكيف عمل في مكان ليس له علاقة بالإبداع في مصرف إسلامي، وكيف قدم استقالته بعد أن استنزفه العمل، ثم تحدث عن تجربته في السجن كأسير حرب. وتساءل الدكتور نايف الجهني في مداخلته عن التصنيف الدائم بين الشعر والرواية والقصة والرسم، قائلا: "نعرف أن المبدع كائن لا نهائي، يسير في حالة بعيدة عن التصنيف"، وأجاب الدوسري بأنه الآن في سن أسقطت فيه كل هذه الحواجز، فالإبداع فضاء، كما خلق الله لنا الفضاء؛ كي نتأمل فيه السموات وهذا الكون الفسيح الذي كلما اخترع العلماء تلسكوبا جديدا يجدون أنفسهم أمام كون لا متناه. وطالبت الدكتورة عائشة الحكمي، الدوسريَّ بإلقاء المزيد من الضوء على الإعداد لرواية "ابن زريق البغدادي"، وهل رأى الغرفة التي مات فيها ابن زريق؟. ليرد الدوسري: "لم أصعد إلى الغرفة لأنني لا أستطيع، فبعض الأماكن ترعبني فأصاب بحزن شديد عليها، ولكنني ذهبت إلى كل الأماكن التي تردد عليها ابن زريق في قرطبة مثل الجامع الكبير وقصر الخليفة، لقد قضيت عدة سنوات للإعداد لتلك الرواية حتى كتبتها". واختتمت الأمسية بإلقاء الدوسري عددا من قصائده.