تشير المعطيات العسكرية الأخيرة إلى أن إيران ربما قطعت شوطاً في تطوير سلاح الجو الذي لديها بحيث أصبحت تُشكل خطراً على الملاحة الجوية فوق سماء منطقة الخليج. فمنذ حوالي عام، تمكنت الدفاعات الجوية للحرس الثوري الإيراني من السيطرة على طائرة أمريكية متطورة دون طيار من طراز "RQ-170" قرب منشأة فوردو النووية. ومنذ نحو أسبوعين فقط، قالت السُلطات الإيرانية إنها استطاعت أن تسيطر على طائرة أميركية بدون طيار من طراز "ScanEagle" فوق الأجواء الإيرانية وتستولي عليها أيضاً، الأمر الذي نفته السلطات الأميركية. وقال تقرير نشره "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" في ديسمبر الحالي إنه في شهر نوفمبر الماضي أطلقت طائرتان إيرانيتان من طراز "سوخوي-25" النار على طائرة أميركية من طراز "Predator MQ1". ويشير استخدام طائرات "السوخوي-25" غير المجهزة برادار إلى أن رادارات المراقبة الأرضية في إيران قد تتبعت الطائرة الأميركية ثم أرسلت "السوخوي-25" في الوقت المناسب، وأرشدت الطيارَيْن بفعالية نحو الطائرة فجعلاها في الموضع المثالي لإطلاق النار الذي يتيح لهما التصويب على هذا الهدف الذي يصعب اكتشافه. وبما أن "السوخوي-25" هي ذات مدى قصير إلى حد ما، كان على رادارات المراقبة الأرضية إرشاد القناصيْن إلى الهدف بأقل قدر من التأخير. وبشكل عام، فإن القيام بعملية الاعتراض في منطقة الخليج أظهرت مهارات مراقبة وملاحة جيدة وقدر كبير من التنسيق. ويشير استخدام "السوخوي-25" كذلك إلى أن الحادثة كانت استعراضاً للقوة جيد التخطيط. فقد وردت تقارير عن امتلاك إيران 13 طائرة من طراز "سوخوي-25"، سبعة منها كانت طائرات عراقية احتجزت بعد لجوء طياريها إلى إيران إبان حرب الخليج عام 1991. قد تكون هناك أسباب فنية أيضاً وراء اتخاذ هذا القرار: فقد تمكنت "السوخوي-25" بسرعتها البطيئة من التجنيح فوق ال"Predator" ومحاولة ضربها بمدفعها، وهو إنجاز كان يمكن أن يكون أكثر صعوبة على مقاتلة أسرع. على سبيل المثال، في عام 2006، تطلبت ملاحقة طائرة بدون طيار من طراز "أبابيل" تابعة ل"حزب الله" بالقرب من حيفا من قبل طائرة إسرائيلية من طراز "إف-16"، تخفيض السرعة لدرجة قريبة من التهاوي من أجل اعتراضها؛ ثم كان على الطيار أن يستخدم مناظر الخوذة جنباً إلى جنب مع صاروخ "بايثون 4" ذي القدرة العالية على المراوغة من أجل إسقاط الهدف. حرية الملاحة الجوية كان لحادث شهر نوفمبر أبعاد سياسية إلى جانب كونه حدثا عسكريا. فقادة "فيلق الحرس الثوري الإسلامي" كانوا يضغطون لسنوات عدة نحو تجاوز حدود اللامقبول.. فقد دبرت "قوة القدس" التابعة ل"فيلق الحرس الثوري الإسلامي" عملية اختطاف وقتل خمسة جنود أميركيين في كربلاء في يناير 2007. ومنذ ذلك الحين، انخرط "فيلق الحرس الثوري الإسلامي" في سلوك استفزازي بالقرب من سفن البحرية الأميركية في الخليج، حيث أخذ يشن هجمات وهمية طائشة ويقذف مواد في مسار السفن الأميركية تشبه الألغام. والآن حيث أطلقت إيران النار على طائرة أميركية، فقد رفعت بذلك خطر قيام مواجهة عسكرية في الخليج. يبقى التحديد الدقيق لموقع حادث شهر نوفمبر غير واضح الملامح، حيث تذكر التقارير أن ذلك كان في المنطقة القريبة من مدينة بوشهر الساحلية عبر الخليج من الكويت. وتدعي إيران أن الاعتراض تم داخل نطاق 12 ميلا بحريا، بينما تقول الولاياتالمتحدة إن ذلك حدث في المجال الجوي الدولي، على بعد 16 ميلا من الساحل، أي أربعة أميال خارج المجال الجوي الإيراني. وهذا يوضح الطبيعة المعقدة لحدود المجال الجوي في الخليج، مع الأخذ في الاعتبار الجزر المتنازع عليها والساحل البحري غير المستوي. وقد كان للحادثة أيضا عدة تداعيات هامة على القانون والعرف الدولي، فمن الناحية التاريخية، تحدت الولاياتالمتحدة حوادث عدائية وقعت في المياه الدولية والمجال الجوي الدولي، وإذا لم ترد على هذه الإهانة الأخيرة فقد يقوض ذلك حرية تحركها في الخليج. يتعيَّن على واشنطن أن تثبت أن الطائرات دون طيار لا تختلف عن الطائرات التي تعمل بطيار من الناحية القانونية، حيث إن المهمات الاستطلاعية مسموح بها بموجب القانون الدولي. وإذا تركت هذه الحادثة دون حل فيمكن أن تحيق المخاطر بطائرات "آر سي 135 ريفيت جوينت" الضخمة وطائرات "يو-2" و "آر كيو-4 غلوبال هوك" و"طائرات الإنذار المبكر الأرضي" المعروفة ب"نظام رادار الهجوم على الهدف والمراقبة المشتركة - JSTARS" التي تراقب النقاط الساخنة في جميع أنحاء العالم عندما تحلق في مجال جوي متنازع عليه أو حتى بالقرب منه. الخيارات الأميركية ينبغي على واشنطن أولا أن تتعامل بشكل دبلوماسي أكبر حيال حادث الاعتراض في شهر نوفمبر وذلك برفع قضيتها عبر وكالات الأممالمتحدة مثل "محكمة العدل الدولية" و"منظمة الطيران المدني الدولي". وسيكون الهدف من هذا المنحى هو حل أي خلافات مع إيران بشأن حدود مجالها الجوي ومنع حدوث تصعيد مستقبلي. ويمكن أن تقترح الحكومة الأميركية أيضا إجراء حوار مع إيران بشأن إجراءات منع "الأنشطة العسكرية الخطرة". ويسمح القانون الدولي للطائرات المحاربة أن تستطلع وجود طائرة بلد آخر في المجال الجوي الدولي. وإذا لم تستجب إيران دبلوماسيا، ينبغي أن تقوم الولاياتالمتحدة أيضا بمهام حرية الملاحة متعددة الجنسيات بإشراك مستخدمين لمياه الخليج، وخصوصا دول "مجلس التعاون الخليجي". وهذا من شأنه أن يبعث إلى إيران رسالة واضحة مفادها: يجب احترام حدود المجال الجوي الدولي، على غرار الحدود البحرية. وأخيرا، ينبغي على واشنطن أن تنظر في تزويد طائرات "Predator" بقدرة للدفاع الذاتي والإعلان عن مثل هذه الحقيقة. وكانت "القيادة المركزية الأميركية" قد زودتها بصواريخ "ستينجر" قبل أكثر من عقد، عندما بدأت العراق حملتها التي لم تدم طويلا لإسقاط الطائرات دون طيار. وهذه القدرة قد تدفع إيران إلى إعطاء "Predator" متنفسا أرحب. وبالإضافة إلى ذلك، على الإدارة الأميركية أن تنبه طهران بهدوء بأنها تحتفظ بحقها في ضرب القواعد الجوية الإيرانية إذا ما بدأ النظام بهجمات عدائية.