أطلعني صديق على صورة قديمة تعود إلى أكثر من 50 سنة أخذت في إحدى المدارس، تظهر بها سبورة سوداء كانت آنذاك هي الوسيلة الوحيدة للمعلم، وقد وضعت فوق كرسي كحامل لها، وكتب عليها بخط جميل إعلان لإقامة ندوة بعنوان "العلاقة بين المدرسة والمجتمع " وسيلقيها أحد معلمي المدرسة في الحصتين الرابعة والخامسة، وسيحضرها عدد من أولياء أمور الطلاب، ومعلمو ومديرو المدارس المجاورة، كانت هذه الصورة كفيلة بأن تثير قلمي لينثر حبره للحديث عن النشاط المدرسي وحاله في مدارسنا، فربما أن جيلي والأجيال التي سبقت جيلي ما زالوا يتذكرون كيف كان النشاط المدرسي في مدارسنا يدار، وكيف كان يلقى الرعاية والاهتمام من قبل المعلمين ومديري المدارس، وكيف كان يفعّل من خلال تنفيذ الأنشطة الرياضية والثقافية والاجتماعية، وكيف كانت تعقد المسابقات تلك، سواء داخل المدرسة أو بين عدة مدارس في المدينة، على قلة الإمكانات والموارد المالية آنذاك، وأتذكر أن الإذاعة السعودية كانت تسجل المسابقات العلمية والثقافية بين المدارس وكان المذيع ذو الصوت الجهوري "إبراهيم الذهبي" -رحمه الله- يقدم المسابقات المدرسية. اليوم مع الأسف لم نعد نسمع للنشاط تلك الرنة التي كنا نسمعها، ولم نعد نراه كملمح جميل يزين مدارسنا بالرغم من أهدافه التربوية والمعرفية والاجتماعية لإكساب الطلاب خبرات وتجارب وجعل المدرسة مكانا محبوبا عندهم، وأصبح النشاط يظهر في تعاميم ترسل للمدارس، حينما تكون هناك دعوة لإقامة مسابقة للبحوث، أو إحضار أعمال فنية، أو عقد مسابقة في الإلقاء، والطالب لم يعد يتعب في إعدادها فالبحوث تكفل بها النت، ومحلات الخطاطين على الجاهز، فلديهم الاستعداد لتنفيذ اللوحات والأعمال الفنية، فقط المطلوب "الدراهم"، أما في ذاك الزمن الماضي، فكم كنّا نستمتع بحفلات مدرسية تقام نهاية العام، وكم كنّا نظل لأيام نتذكر أحداثها وتفاصيلها، ومشاركاتنا فيها وفرحتنا بالنشاط لأنه كان متنفسا جميلا لنا، والآباء كانوا يسعدون بحضور بعض الأنشطة المدرسية كالمهرجانات الرياضية، اليوم أصبحت حفلات المدارس عبئا ثقيلا على المدارس، ولم تعد تنفذ في كثير منها؛ إلا على استحياء، ولم نعد نرى الأنشطة المدرسية المتنوعة، سواء بين المدارس، أو داخل المدرسة الواحدة بذاك النشاط الذي عهدناه في الزمن الجميل، وما كان من المسابقات الثقافية التي كانت بين الفصول، ويعلمها جيلي والجيل السابق لجيلي، ولم يعد لها من ذكر، بل حصة النشاط تحولت إلى حصة للاستراحة، هذا إن وضعت في الجدول، وحينما تنفذ فهي ضيف ثقيل على الطلاب والمعلمين، وطريقة تنفيذها لا تكون أكثر من اجتماع لمجموعة من الطلاب مع معلم في أحد الفصول وكأن قدرهم أن لا يغادرون فصولهم إلا حينما يتفسحون، أو يغادرون المدرسة إلى منازلهم، فلا توجد قاعات خاصة لممارسة الأنشطة المدرسية في مدارسنا حتى في المباني ذات التصاميم الحديثة، وفي حصة النشاط يقوم المعلم بتعبئة سجل جماعة كذا "العلوم –أصدقاء اللغة - ..إلخ "مع طلابه في تقرير صوري يتضمن أفعالا لم تفعل وأقوالا كتبت فقط للاجتماع، وننسى أننا نزيد بذلك الطامة طامة أكبر حينما يكتب الطلاب كلاما لم ينفذوه،– مع الأسف – ما أراه أننا في ظل هذه الممارسة البليدة للنشاط المدرسي، افتقدنا شكلا من أشكال المدرسة القديمة التي كانت تحفل بالنشاط المدرسي "حفلات، مسابقات رياضية وثقافية، مهرجانات" وتفعّله بحب وعشق، وكان يبقى في ذاكرتنا لسنوات.