بين الحنين إلى تراث الماضي وعهد الأجداد والتجديد في المنشآت العمرانية لجأ عدد من أهالي نجران إلى إعادة ترميم وبناء البيوت الطينية لإحياء تراث أجدادهم وتطويره ببعض اللمسات الحضارية. وفي حديث إلى "الوطن" قال المواطن علي آل قريش إن الحب والوفاء لتراث الأجداد دفعه إلى استقدام عمالة يمنية متخصصة في بناء بيوت الطين، وذلك لما تتمتع به البيوت الطينية من مميزات عديدة لا حصر لها ولعل من أهمها قلة التكلفة حيث إن بناء منزل من الطين يوفر 75% من التكلفة الإجمالية كما تتميز بالعزل فهي باردة في فصل الصيف ودافئة في الشتاء. وأضاف آل قريش أن أدوات البناء المستخدمة في تشييد المباني الطينية هي الحجر والطين والأخشاب والتبن وتبدأ عملية البناء بالحفر مترين ووضع الوثر أو ما هو معروف في البناء الهندسي الحديث باسم "الأساس"، وبعد ذلك يتم البدء في وضع المدماك الأول فوق "الأساس" ويترك لمدة يومين حتى يجف ثم يوضع المدماك الثاني وهكذا، ثم تبدأ أعمال السقف وهي عبارة عن خشب من جذور النخيل وأشجار الأثل ثم "التعسيف" وهو عمل الدرج وتلبيسه بالطين تليها عملية القضاض "الجير الأبيض"، ثم يبدأ الصماخ "التلياس" وبهذا يكون البناء قد اكتمل. وقال المسن صالح معيض إن هناك إضافات يتم وضعها لإكساب المباني المزيد من الجمال والمظهر الجيد، حيث توضع الدكة وهي خاصة لكبار السن كما يوضع في الجدران والغرف ما يسمى "بالكوه" فتحات على شكل مثلث و"الصفيف" كالدواليب وفي النهاية يوضع "الحوي" الحوش وتوضع في أركانه "قصب" أي أبراج للحماية والمراقبة ومعرفة كل من يقترب من البناء، حيث كانت هذه المسألة في القديم من أهم متطلبات البناء والكل يحرص على توفرها في بنائه حتى يتمكن من صد أي خطر قد يتعرض له أو أسرته في حالة الهجوم من قبل لصوص أو أعداء أو غيرهم. من جانبه أكد ل"الوطن" مدير جهاز السياحة والآثار بمنطقة نجران صالح آل مريح أن المباني التراثية في المملكة مصدر اعتزاز وحاضنة لذكرى مساهمة الأجداد في مسيرة الوحدة الوطنية وتنامي الوعي بأهمية هذه المباني هو ما يحمل اهتمام الأهالي بالمحافظة عليها وتحويل المباني الآيلة منها للسقوط إلى آيلة للإعمار والبناء وجعلها منطقة جذب سياحي. وأكد في تصريحه أن المباني التراثية إذا محيت أو انهدمت أو أزيلت فسوف نفقد معها جزءا كاملا من تاريخنا وتراثنا وإلى الأبد. مؤكداً في الوقت نفسه حرص الهيئة العامة للسياحة والآثار ورئيسها الأمير سلطان بن سلمان على السعي للحفاظ على هذا التراث الغالي وتشجيع المواطنين على المحافظة عليه وغرس الحب والوفاء لتراث الماضي وتراث الآباء والأجداد في نفوس الجيل الجديد. مشيراً إلى أن الهيئة تقدم قروض ترميم بالتعاون مع بنك التسليف بشرط توظيف المبنى للترويج السياحي في حالة قدوم وفود سياحية وأجنبية تسعى للتعرف على تراث المنطقة. وقال إن زيادة الوعي والبرامج التوعوية كان لها دور في أهمية الحفاظ على التراث العمراني بالإضافة إلى وسائل الإعلام كما أكد آل مريح أن هناك مباني تراثية تشرف عليها الهيئة مثل قصر الإمارة التاريخي وقلعة رعوم والمدرسة الأميرية وهي أقدم مدرسة في نجران، كما كشف أن المنطقة تحتوي على أكثر من 34 قرية تراثية منتشرة في مختلف المحافظات.