محمد مسفر المجدل لا يكاد يخلو مجتمع من المجتمعات قديمها وحديثها من ظاهرة الفساد، فالحديث عن الفساد لا يخص مجتمعا بعينه أو دولة بذاتها، وإنما هو ظاهرة عالمية تشكو منها كل الدول، لما له من خطر على الأمن الاجتماعي، والنمو الاقتصادي والأداء الإداري، ومن هنا حازت هذه الظاهرة على اهتمام كل المجتمعات وكل الدول وتعالت النداءات للحد من انتشارها ووضع الصيغ والإجراءات الملائمة لذلك. تعتمد مكافحة الفساد على الإرادة السياسية والوعي الاجتماعي، ومن ثم المسؤولية الاجتماعية، والمملكة العربية السعودية كغيرها من الدول تدرك أبعاد هذه المشكلة، ولهذا فقد صادقت على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمحاربة الفساد، كما أصدرت المرسوم الملكي رقم (43) لعام 1377 الذي أضفى عليها صفة الجريمة وعمد لمعالجتها ووضع حد لانتشارها وتفشيها في المجتمع. ومن أجل معالجة ظاهرة الفساد أصدرت المملكة العربية السعودية الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، وتجسيداً لهذه الاستراتيجية أعلنت عن مولد مؤسسة غايتها تطبيق أهداف ومبادئ تلك الاستراتيجية وحماية الوطن والمواطن من جميع أشكال الفساد المالي والإداري وهي "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" التي صدرت تاريخ: 13/4/1432، فالقرار الحكيم لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - كان صائباً، فوجود مثل هذه الهيئة يعمل على تكبيل أيادي الفاسدين والمفسدين ولا يمنحهم الفرصة لكي يتلاعبوا بمقدرات الوطن. إلا أن هذه الإرادة السياسية يجب أن يصحبها وعي اجتماعي وحس بالمسؤولية الاجتماعية تجاه المفسدين العابثين بمقدرات الوطن والوقوف ضد كل فاسد بالتعاون مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ونبذ الأنماط الاجتماعية المتساهلة مع الفساد والمؤدية إليه عن طريق طلب الواسطة "والفزعة" ونحوها وعدم تبرير وسائله بذريعة الاضطرار أو كونه أمرا واقعا، وهنا يجب أن تضطلع الجمعيات الخيرية والأهلية ورجال الأعمال والنخب الاجتماعية بمسؤولياتها حيال مكافحة الفساد ودعم كل مشروع من شأنه مكافحة الفساد بشتى صوره وأشكاله وتغليب حس المصلحة العامة وتعزيزه إلى أقصى الحدود ودمجه بحس المواطنة المنبثقة من قيم وتعاليم الإسلام بهدف الوصول إلى تكامل الأدوار بين الإرادة السياسية والمسؤولية الاجتماعية.