علي عبدالمعين عسيري العيد في الإسلام له مكانته وميزته، فهو يوم فرح وبهجة وسرور. الجوهر في الإحساس به يكمن في فقه معانيه السامية. تلك المعاني التي تجعل المسلم فرحا بطاعته لله، وتخلصه من أدران نفسه الأمارة بالسوء ابتغاء لما عند ربه من الأجر والمثوبة والعطاء. منذ أن يحين يوم الوقوف بعرفة تبدأ النفس بالعودة إلى الماضي، وذلك من خلال الذكريات والصور المختزلة في أعماق القلب والعقل! ومع تغير الزمان والمكان وتقادم العمر، فإن الإنسان بطبيعته يحن إلى ماضيه، والماضي مهما كان ليس صورة واحدة، بل صور شتى، ولكل صورة في الذاكرة عمق خالد مع التاريخ. العمق الذي لا يندثر، والصورة الأزلية الأولى التي تستحضرها الذاكرة، هي صورة ذلك الطفل الذي يطير فرحا وشوقا إلى لقاء العيد. تلك الصورة تطرح سؤالا يتيما: لماذا تكتنز أعياد الطفولة أجمل الذكريات البريئة الخالصة؟! في هذا السؤال اليتيم هروب من الواقع على اختلاف حاله ولعل في ذلك الهروب المؤقت ما يريح النفس ويجلب لها شيئا من وهج السعادة. لم ولن أستفيض في تحليل نفسي للسؤال السابق، حيث إن لكل منا تفسيراته الخاصة وأبعاده التأملية لحقيقة ذلك السؤال. لكن ذلك الفرح وتلك السعادة متطورة بتطور الإنسان، فهي باقية راسخة لمن أرادها، وذاهبة غائبة عمن دثرها وقبرها! نعم، أنت تصنع سعادتك بنفسك؛ وإن خلت غير ذلك! لست الوحيد الذي يتذكر شيئا من أعياده الجميلة فيبكيها، فغيرك كثير! ولكن الإنسان الباحث عن السعادة لا يكتفي بوهج قديم طال به الزمن، وإنما يومه بداية جديدة لصناعة ذكرى جميلة يراها في قابل الأيام. العمق الإيماني هو الذي يخلق السعادة للنفس، فيصنع سعادة الواقع وآمال المستقبل. فكلما اقترب الإنسان من ربه فإنه يجد طعم الإيمان وحلاوته، وبالطاعة يزيد من رصيده الإيماني ويعلو في درجات السعادة الحقيقية. ما أجمل أن نرمي همومنا بعيدا! ونتنحى عنها ولو زمنا يسيرا لنعود بقلوب جديدة غسلتها العبادة وطهرتها مما علق بها من ذنوب وآثام. كل عام وأعيادكم سعادة، وأرواحكم براءة، وقلوبكم بيضاء.