عكس حركة الشمس، يتحرك الحجاج المفترشون في منى، ضمن رحلة بحث عن الظل، لا يتركون ظل سور أو مركبة متوقفة إلا داهموه، وحسب التوقيت يتنقلون أينما وجد الظل. أما في المساء فتكفيهم مساحة يمددون فيها أرجلهم؛ ليغطوا في سبات عميق، غير مبالين بأصوات الأبواق وضجيج الحجاج. ولأن أهل مكة أدرى بشعابها، يحج بعض المقيمين فيها، وما حولها بأقل التكاليف، يعتمدون في التنقل سيرا على الأقدام، يأكلون ويشربون من هبات المحسنين، ويفترشون الأرصفة في المساء، ويتتبعون ظلال الأشياء في النهار. الحاج إبراهيم كامل سوداني الجنسية قدم إلى الحج من محافظة مجاورة بميزانية بسيطة لا تتجاوز 250 ريالا، يعتقد أن أجر الحج يكون أكبر كلما كان التعب أكثر. قال: إنه جاء للحج وهو لا يرغب في الرفاهية، يتجول في المشاعر، ويجلس حيث تنتهي به قدماه، ويجد المساحة الكافية كي يمدها. وقال إبراهيم: إن المشكلة التي تواجهه وكثير من الحجاج في مثل ظروفه هو الظل، حيث إنهم يتحركون مع حركة الظل، عكس حركة الشمس، تجدهم يستندون لجدارن الخيام التي يتقلص ظلها بتوسط الشمس في كبد السماء، فينتقلون بحثا عن موقع آخر. لم يكن إبراهيم الحالة الوحيدة في الحج، فالحالات المشابهة كثر، مشاهد عدة رصدتها "الوطن" للباحثين عن الظل، الذين يتحركون بين أروقة منى التي تضيق ذرعا بضيوف الرحمن النظاميين والمخالفين على حد سواء. جسور منى كانت الملجأ الأبرز والمكان الإستراتيجي، الذي يسعى الحجاج للوصول إليه أولاً؛ نظرا لضمان بقاء الظل طوال ساعات النهار، مما يوفر لهم راحة كبيرة من أشعة الشمس التي قد تلحق بهم أضرارا صحية، تضاف إلى ما يتعرضون له من تعب ومشقة في التنقل بين المشاعر.