على مدى عقود، كثيرًا ما نسمع بالتجربة اليابانية في التعليم، وكذلك الماليزية والنيوزلندية والفنلندية وغيرها.. وإذا كانت العديد من الدول تحاول محاكاة واستنساخ بعضًا من هذه التجارب لتحقيق نتائجها أو غالبيتها قدر المُستطاع، فالمملكة العربية السعودية مُستغنيةً تمامًا عنها، بل إنّ وضع خطة للتعليم السعودي متناسقةً مع البيئات والمجتمعات السعودية، ستحقق -بحول الله- نتائج جبّارة ومرئياتٍ بارزة على مستوى العالم. لا أبالغ أبدًا بهذا الرأي، فدعم حكومتنا وحرصهم ونظرتهم للتعليم، ثم ما تمتلكه دولتنا من خبراتٍ وإمكانياتٍ وطنية، وما يوجد لدى النشء من قدراتٍ عقلية ومهارات تعليمية عالية، كل ذلك حين يتوجه في تجربة تعليمية دقيقة، وبالتناسق مع البيئات التعليمية بمختلف مراحلها وأماكنها وقدراتها، فإنّه سيجعل نواتج التعلم مُلبية لطموح الوطن ومحققة لأهدافه الإستراتيجية القريبة والبعيدة. جهود وزارة التعليم في المدارس والكليات والمعاهد والجامعات كبيرة جدًا، وطموحات المُعلّمين فيها والمُتعلمين لا حدود لها، ولكنّ التغيرات العالمية على مستوى التقنية والابتكار والمال والاقتصاد والتداخل السريع بين الثقافات والشعوب، كلّ ذلك يجعلنا بالضرورة نعيد منهجيات التعليم لدينا، وجعل محطات التعليم ومراحله عبارةً عن مساراتٍ واضحة المعالم، وفي نفس الوقت مرنةً قابلةً للتغيير والتطوير، هدفها بناء جيل مثقفٍ واعٍ مُتمسكٍ بدينه وأخلاقياته وآدابه، مُحبٍّ لوطنه وقاداته، صبورًا على صعوبة المنافسة وعقبات الحياة، قادرًا على صدّ مايضرّه، وحريصًا على اكتساب ما ينفعه ويُنمّي وطنه. مع تعدد وسائل تلقي العلوم والمعلومات على مستوى العالم، وبطرق بسيطة وبكثافة عالية، فإنّ أسلوب التعليم بالتلقي لعدد من الساعات كل يوم دراسي لم يعد مناسبًا، بل إنه قد ينعكس سلبًا على المتعلم من حيث الرغبة والتقبّل، بينما قد يقضي ربع وقت يومه الدراسي على جهازٍ إلكترونيٍ في منزله _دون رقابة_ فيهدم ما بُني من أخلاق ومعلوماتٍ على مدى أشهر أو سنوات. لابد من تحول جزء كبير من عملية التعليم من التلقي والتحفيظ، واختبار حفظ المعلومات إلى التفكير والتحليل والمقارنة واستخلاص النتائج، وكذلك إلى التجربة والاستقصاء والبحث. فعلى سبيل المثال طريقة تعليم اللغة الإنجليزية بالتلقي والحفظ، واختبار ما حُفظ تُنتج متعلمًا لمدة ستة أعوام دراسية أو أكثر لا يجيد التحدث ولا الكتابة ولا أي مهارة، بينما الأجدى لو كان جزء كبير من منهجية تعليمه مكونةً من محادثاتٍ وتجارب لبناء الجُملِ، واستخدامها مع زملائه مباشرةً وعبر الوسائل الإلكترونية الحديثة، وتصحيح أخطائه وتطوير مستواه أولاً بأول، وتقييمه بناءً على مدى استخدامه للّغة واتقانه لها وتقدمه فيها. توجه الكثير من مؤوسسات التعليم في العالم إلى التعلم عن بعد، وصناعة محيط افتراضي للتعلم، بات يُشكلّ خطوة مهمة في مستقبل التعليم، ولا يُغني بالطبع عن التعليم المباشر في بعض مراحل التعليم وتخصصاته ومستوياته، ولكنه سيكون المؤثر الأكبر في ساحة التعليم والمعرفة قريبًا جدًا.. والله أعلم.