في رحلة الصعود نحو القمة، ثمة لحظة في البداية تكون أصدق ما في الطريق، لحظة يشتعل فيها الحلم كنجمة في صدر الليل، ويولد فيها الشغف من رحم الفكرة الأولى.. هناك، حيث لا شيء يقيّدك، ولا صوت يعلو فوق صوت الإيمان بذاتك، تسير بخفة قلب الطفل، وبعزم من يعرف تمامًا أن له مكانًا في الأعلى، حتى لو لم يعرف بعد كيف يصل إليه، كل خطوة في هذا الطريق كانت من أجل أن تكتشف ذاتك، أن ترى ما الذي يمكن أن تكونه إن منحت نفسك فرصة كاملة للنموّ. لكن شيئًا ما يحدث في منتصف الطريق، شيءٌ يسرق منك هذا النقاء، تتسلّل المقارنات إليك، وربما تبدأ ببراءة: «كيف وصل؟ لماذا سبقني؟ هل أنا أقلّ منه؟»، وما تلبث أن تتضخّم حتى تصنع لنفسك هدفًا لم يكن في الأصل هدفك.. تصنع صنمًا.. شخصًا أو فكرة أو إنجازًا لغيرك، تعلّقه أمامك، وتقول في داخلك: «سأتجاوزه، سأكون أفضل منه»، ويبدأ الحلم في الانحراف. هذا الصنم قد لا يكون عدوّك، بل قد يكون صديقك، زميلك، أو حتى شخصًا لا يعرف بوجودك، لكنه يتحوّل إلى غاية، إلى مقياس لقيمتك، إلى ظلّ يرافقك كلما نظرت إلى خطواتك.. لا لأنك تحبه، بل لأنك تريد تجاوزه، تريد أن تبرهن -لنفسك وللعالم- أنك «أفضل».. وهنا، دون أن تشعر، تبدأ بخسارة أثمن ما في الرحلة: المعنى. الطريق إلى القمة لم يُخلق للتنافس، بل لاكتشاف الذات.. القمة ليست مكانًا ضيّقًا لا يتّسع إلا لشخص واحد، بل هي سماء مفتوحة، تتّسع لكل من صعد بروحه قبل جسده، أولئك الذين يصعدون بلا أصنام، يصعدون وهم ينظرون إلى دواخلهم، إلى خطواتهم، إلى الجهد الذي بذلوه، لا إلى الناس الذين تفوقوا عليهم، وهؤلاء وحدهم من يشعرون بلذة الوصول، لأنهم لم يركضوا خلف أحد، بل ركضوا نحو أنفسهم. تخيّل طريقك كغابة خضراء، كل شجرة فيها تثمر بشكل مختلف، وكل زهرة تتفتح بطريقتها، لا أحد ينافس الآخر، لأن الجمال في التنوّع، في الأصالة، في أن تكون أنت.. فقط أنت، هكذا هو النجاح الحقيقي، لا يُقاس بعدد من تجاوزتهم، بل بمدى صدقك مع نفسك، ومدى توافق خطواتك مع ما تؤمن به. يقول جلال الدين الرومي: «لا تحزن إذا لم يُقدّر الآخرون ما تفعل، فالزهرة لا تفكر بمن يراها، بل تزهر بكل بساطة»، كم في هذه الكلمات من صفاء! تزهر، لا لأنها تنافس، بل لأنها خُلقت لتُزهِر، هكذا يجب أن تكون: تزهر لأنك أنت، لأن فيك من الجمال ما يستحق أن يُرى، لا لأنك تُقارن بشخص آخر. فلا تصنع لك صنمًا في الطريق، لا تجعل من أحدهم خصمًا تتجاوزه، ولا غاية تحاصر بها نفسك، اجعل من حلمك بوصلة، ومن ذاتك مرآة، ومن شغفك جناحين، سر على مهل، واحتفل بكل خطوة، حتى تلك التي تعثرتَ فيها، لأنك في كلّ لحظة تقترب أكثر من صورتك الحقيقية. تذكّر دائمًا أن القمة الحقيقية ليست تلك التي يراها الناس من بعيد، بل تلك التي تبلغها داخلك.. حين تصبح منسجمًا مع نفسك، ممتلئًا بشغفك، حرًّا من ظلال المقارنة، ممتنًا لأنك اخترت أن تصعد لا لتثبت شيئًا لأحد، بل لأنك أحببت الصعود. النهاية: لا تصنع صنمًا لتتجاوزه، بل اصنع ذاتك لتفتخر بها.