أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي نافذة واسعة لنشر الأعمال الخيرية، وتوثيق لحظات العطاء الإنساني. وعلى الرغم من نبل هذه الغاية، فإن ما كان يُراد به الخير قد ينحرف أحيانًا إلى استعراض يجرح كرامة المحتاجين، ليصبح فعل الخير أداة للتفاخر بدلًا من رسالة إنسانية خالصة. لا شك أن التصدق والإحسان إلى المحتاجين هما من أعظم الأعمال التي يحث عليها ديننا الحنيف، ففعل الخير هو جزء من هويتنا الإسلامية. إلا أن استعراض هذه الأعمال على الملأ من خلال تصوير المحتاجين في أثناء تلقيهم المساعدة، أو تصوير منازلهم وأماكنهم، يشكل تعديًا على خصوصيتهم وكرامتهم. وعلى الرغم من النيات الحسنة لبعض الفاعلين، فإن تصوير المحتاجين ونشر تلك الصور على وسائل التواصل الاجتماعي يعد تجاوزًا لحدود التقدير والاحترام، وقد يتسبب في إحراجهم، بل يزرع في نفوسهم شعورًا بالنقص. إن التوجيه النبوي الشريف جاء واضحًا في هذا الجانب، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «..ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له». ولم يقل الرسول الكريم أن تفضحوا ما قدمتموه على أعين الناس، فالخير الذي يتطلب إظهارًا هو الذي يُظهر تواضع النفس وكرامة المحتاج، وليس العكس. من هنا يأتي دور الجهات المعنية، وعلى رأسها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، في وضع حدود واضحة لهذه الممارسات، حيث يجب أن تكون هناك قوانين صارمة تمنع تصوير المحتاجين أو استغلالهم في المحتوى الرقمي. كما يجب أن تضمن هذه القوانين عقوبات رادعة لكل من يحاول الترويج لعمله الخيري من خلال وسائل الإعلام الاجتماعية على حساب كرامة المحتاجين. الهدف من التشريع في هذا المجال ليس تقييد فعل الخير، بل حماية كرامة الإنسان، وضمان أن يبقى فعل الخير خالصًا لوجه الله، وليس وسيلة للشهرة أو التفاخر. إن رفع مستوى الوعي حول هذا الأمر بات أمرًا ملحًا، ويجب على المجتمع أن يتكاتف لدعم هذا الاتجاه، بحيث يبقى العطاء نقيًا بعيدًا عن الأضواء. ومن هذا المنطلق نناشد الجهات المعنية تفعيل الرقابة على مثل هذه الممارسات، وتثقيف المجتمع بأهمية الحفاظ على خصوصية المحتاجين، لأننا في النهاية مجتمع يقوم على الاحترام المتبادل وصون الكرامة الإنسانية. وإن كان لا بد من إظهار الخير، فلنجعله مثالا يحتذى في السرية والإخلاص، بعيدًا عن عدسات الكاميرات وأضواء الشهرة.