الوهم هو العدو الخفي الذي يتسلل إلى العقول دون استئذان، يتشكل في الظلال، يختبئ خلف المخاوف، ويتجذر في أعماق النفس حتى يصبح واقعًا في نظر صاحبه. هو تلك اليد التي تمسك بالإنسان عندما يوشك على الانطلاق، ذلك الصوت الهامس الذي يردد بلا ملل: لا تستطيع، لن تنجح، هذا أكبر منك، لن يتقبلك أحد. لكنه في حقيقته سراب، مجرد دخان يتلاشى بمجرد أن تفتح نوافذ العقل وتسمح للنور بالدخول. في أعماق النفس البشرية، يتخذ الوهم أشكالًا متعددة، فتارة يكون خوفًا من الفشل، وأخرى يكون شكًا في القدرات، وأحيانًا يكون صورة مشوهة للذات صنعتها كلمات الآخرين أو تجارب الماضي. يروي التاريخ قصصًا لا تحصى عن أناس وقفوا على حافة النجاح، لكنهم تراجعوا لأن أوهامهم صورت لهم أن القفزة مستحيلة، بينما كان الواقع يقول غير ذلك. الإنسان بطبيعته يميل إلى تصديق ما اعتاد سماعه، وما كررته الأيام على مسامعه، فيصبح أسير أفكار لم يجرب يومًا اختبارها في ساحة الواقع. يقول وليام جيمس إن أعظم اكتشاف في العصر الحديث هو أن الإنسان قادر على تغيير حياته بتغيير طريقة تفكيره. الحقيقة أن الحياة ليست إلا انعكاسًا لما يدور في عقولنا، فالوهم قادر على جعل الأمور البسيطة تبدو كالجبل الشاهق، بينما الإرادة والإيمان بالنفس قادران على تحويل المستحيل إلى واقع. كثيرًا ما يقف الوهم بين الإنسان وحلمه، يصوره له كأنه غاية بعيدة المنال، يخبره أن الطريق مليء بالعثرات، وأن الآخرين سبقوه ولن يكون له مكان بينهم. لكنه ينسى أن كل نجاح بدأ بخطوة، وكل إنجاز كان مجرد فكرة قبل أن يصبح واقعًا. في عتمة العقل، يصنع الوهم أسواره العالية، يبني متاهات معقدة، لكن ما إن يقرر الإنسان أن يواجهه، حتى يكتشف أن تلك الجدران لم تكن سوى ظلال، وأن المتاهة لم تكن سوى دائرة صنعها بنفسه. في كل مرة يواجه الإنسان خوفًا اعتقد أنه لا يستطيع التغلب عليه، يكتشف أنه أقوى مما كان يظن، وأن الوحوش التي كانت تترصده لم تكن سوى أفكار زائفة. يقول الفيلسوف رالف والدو إيمرسون إن الخوف ليس إلا نتيجة للجهل، فبمجرد أن يعرف الإنسان حقيقة الأمور، تتبدد مخاوفه كضباب الصباح أمام شمس النهار. في لحظات الشك والتردد يتجلى الفرق بين من يستسلم لأوهامه ومن يقرر تجاوزها. الأول يرضى بالبقاء حيث هو، يتحدث عن أحلامه وكأنها نجوم بعيدة لا يمكن لمسها، يقنع نفسه أن الظروف أقوى منه، وأن هناك حواجز لا يمكن تجاوزها. أما الآخر، فينظر إلى الخوف في عينيه، يسأل نفسه: هل هذا حقيقي؟ هل هناك دليل على أنني لن أنجح؟ ثم يقرر أن يجرب، أن يخطو، ولو خطوة واحدة. وبمجرد أن يبدأ، يكتشف أن الطريق لم يكن بتلك الصعوبة، وأن الأوهام التي كان يخشاها لم تكن سوى قيود وهمية صنعها بنفسه. يقول نورمان فنسنت بيل إن الإنسان قادر على تغيير حياته بمجرد أن يغير أفكاره، فالوهم لا يعيش إلا في العقول التي تسمح له بذلك، وكلما سمح الإنسان لنفسه بالتفكير بحرية، كلما أدرك أن كثيرًا من مخاوفه لم تكن سوى خدعة. الناجحون لم يكونوا دائمًا الأقوى، لكنهم كانوا أولئك الذين رفضوا تصديق أوهامهم، أولئك الذين اختاروا أن يخوضوا التجربة رغم الخوف، فوجدوا أن الطريق لم يكن مغلقًا كما تخيلوا، بل كان ينتظر فقط من يجرؤ على السير فيه. الإنسان لا يولد خائفًا، ولا يولد عاجزًا، لكنه يتعلم ذلك مع الوقت، يتعلمه من تجارب لم يواجهها كما يجب، من كلمات ألقيت على مسامعه حتى صدقها، من مواقف جعلته يظن أن الفشل هو النهاية. لكن الحقيقة أن الفشل ليس سوى خطوة، والوهم ليس سوى دخان، والعالم بأسره لا ينتظر سوى من يقرر أن يرى الحقيقة كما هي، بلا زيف، بلا خوف، بلا قيود. (الوهم هو العدو الذي تصنعه بنفسك، فإن لم تهزمه بعقلك، أسرك بخوفك)