على الرغم من كل ما أفرزته العصرنة من منافع وإيجابيات في سياق حركة التطور الحضاري والتقدم الإنساني المعاصر، فإنها من الناحية الأخرى أتت على الكثير من الموروث الشعبي، الذي أخذ بالانحسار والتراجع مع زحف العصرنة الصاخب بوسائلها المختلفة، مثل الفضائيات والإنترنت وغيرها. ولا بد هنا من الإشارة في هذا الصدد إلى أن العصرنة بإغراءاتها الساحرة جذبت إليها فئة جيل الشباب بشكل خاص، حيث استهلكت جل وقتهم، بحيث أقصتهم بجلف عن معايشة الكثير من العادات والتقاليد الاجتماعية التي كانت حاضرة بحيوية في سياق الحياة اليومية العادية، وأملت عليهم تبني أنماط سلوكية طارئة بفعل الاعتياد والمحاكاة، والانغماس المتواصل في واقعها الافتراضي إلى حد الإدمان. وتجدر الإشارة إلى أن الجيل الجديد من الشباب بدأ يفقد واقعه الحقيقي، ودفء العلاقة الروحية مع العائلة، والأقارب، والأصدقاء، والمجتمع، بانغماسه التام في دردشات مواقع التواصل الاجتماعي، وما ترتب على ذلك من عزلة وانفصال عملي عن بيئته الاجتماعية. كما أنهم في الوقت نفسه بدأوا يخسرون التواصل مع ذاكرة الماضي بهذا الانفصال، ويعانون الاغتراب والضياع والاستلاب. لذلك بات الأمر يتطلب الانتباه إلى هذه الظاهرة، وتنشيط التواصل الاجتماعي الحي، وإحياء مجالس السمر، وتشجيع ظاهرة التعاليل والمطارحات الشعرية، للحفاظ على هوية التراث والتقاليد الاجتماعية، وترسيخ روح الانتماء إلى التراث، قبل أن تأتي عليه رياح العصرنة إلى الأبد، وذلك في الوقت الذي ينبغي فيه أن يتناغم الجيل الجديد مع معطيات الحداثة ومستجدات العصرنة، للاستفادة من كل ما هو جديد وإيجابي منها.