باتت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" على بعد خطوات معدودات من تحديد هوية رئيس مكتبها السياسي الجديد الذي سيخلف خالد مشعل الذي أدار إطارات الحركة 16 عاما في ظروف هي غاية في التعقيد والحساسية والتطورات المتلاحقة في بناء التحالفات الإقليمية والدولية. وتقول مصادر موثوقة ل"الوطن" من غزة إن حسم رئاسة المكتب السياسي لحماس سيكون في موعد أقصاه بداية عام 2013 بعد انتهاء انتخابات الحركة في الخارج وهي الدائرة الوحيدة لحماس التي لم تنجز حتى الآن لظروف حماس الميدانية. التصفيات بين الداخل والخارج وأوضحت المصادر أن المكتب السياسي المشكل حاليا داخل فلسطين في قطاع غزة والضفة الغربية والسجون الإسرائيلية، جاء مخيبا لآمال مشعل الذي فقد فيه السيطرة بخروج عدد كبير من القيادات من حلفائه الداخليين من المكتب وإحلال تيار جديد بدلا منهم. وأشارت المصادر ذاتها إلى أن مشعل عندما أبلغ أعضاء قيادة حماس السياسية المجتمعين بالقاهرة بإصراره على أن لا يرشح نفسه للانتخابات حصلت مناقشات مستفيضة معه لإقناعه بالعدول عن قراره وهو ما أكده رئيس دائرة العلاقات الدولية في حماس أسامة حمدان. وتشير مصادر في غزة ل"الوطن" إلى أن التنافس سيكون محموما بين تياري الداخل والخارج ومحصورا بين نائب رئيس الحركة الحالي الدكتور موسى أبو مرزوق ورئيس الحكومة المقالة في غزة إسماعيل هنية، إلا أن أصواتا داخلية في حماس دعت وأكدت على ضرورة أن يكون انتخاب رئيس المكتب السياسي من خارج القطاع للظروف الصعبة في الواقع الفلسطيني الداخلي، وكذلك خشيتها من تعرضه للاغتيال من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية إن كان في داخل قطاع غزة. ولهذا الطرف رؤيته، إذ يقول إن قدرة رئيس المكتب السياسي من الخارج أكبر على التحرك وسيكون أبعد عن عيون الإسرائيليين، فيما المعارضون لهذا التوجه يرون أن مركز ثقل حماس الرئيسي في قطاع غزة وأن الأولوية لقيادة الحركة انطلاقا من غزة أو الضفة الغربية. من جانبه قال القيادي البارز في حماس صلاح البردويل ل"الوطن" إن حركته تحترم رغبة رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل، وإن مكانته ستبقى كما هي أمام قيادات وأبناء الحركة، رافضا الخوض في تفاصيل الانتخابات والمرشحين المحتملين. لكن البردويل أكد في سياق حديثه أن مجلس شورى حماس هو الذي سيحدد من يتولى رئاسة مكتبها السياسي وأن قيادة الحركة هي تكليف وليست تشريفاً، مقدرا خدمة مشعل لحماس على مدار 16 عاما أنجز فيها الكثير لحركته. وذكر البردويل أن سياسات حماس لا تتغير بتغير رئيس مكتبها السياسي حيث إن البرنامج السياسي معد من قبل مؤسسات شورى ولا يخضع لمزاجيات فردية، بل لنقاشات جدية تستند على الإقناع ورأي الأغلبية. شبكات الإعلام الفلسطيني شبكات الإعلام الفلسطيني الداخلية والخارجية سواء تلك المحسوبة على حماس أو المناهضة لها من القوى الفلسطينية وعلى رأسها حركة فتح، تحدثت وما زالت تتحدث بتحليلات مختلفة حول من سيخلف مشعل في رئاسة الحركة، إذ تشير وكالة "فرانس برس" المحلية إلى منافسة هادئة تدور داخل أروقة الحركة الجهادية، يمكن أن تتحول إلى جدل صاخب، وبخاصة أن فريق خالد مشعل يشعر بغصة سياسية من "اتهامات" يسوقها له فريق من داخل "حماس – غزة" يتقدمه القيادي البارز محمود الزهار الذي أعلن ذلك في أكثر من تصريح علني أثار جدلا واسعا في حينه، واختيار رئيس جديد لحماس قد يشهد شكلا من أشكال "الصراع الجغرافي" في سابقة جديدة على حركة "حماس" خاصة في المستويات القيادية، صراع بين قطاع غزة والضفة الغربية، وهو ما يمكن تلمسه في الحديث عن ترشيح صالح العاروري الأسير المحرر، ومن سكان رام الله قبل طرده للخارج، ويعد أحد أبرز المقربين لمشعل. وفي السياق التنافسي، ذكرت الوكالة المحلية أنه من المستبعد انتخاب قيادات من داخل القطاع لموقع "رئيس المكتب السياسي" لاعتبارات سياسية وطنية واعتبارات تتعلق بمتطلبات هامش حرية الحركة، الذي يتوجب أن يتاح لرئيس المكتب السياسي، وقالت "إن الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب الفلسطيني خارج الوطن، تفرض وجوب أن يواصل قيادي في الخارج تبوء هذا الموقع الحيوي". وأشارت المصادر إلى أن رئيس المكتب السياسي يتوجب أن يتمتع بقدرة كبيرة على التحرك السياسي والدبلوماسي بما يضمن توثيق علاقات الحركة مع الدول العربية والإسلامية، لاسيما في مرحلة ما بعد الربيع العربي، وأوضحت أن هناك أهمية كبيرة لوجود رئيس المكتب السياسي في الخارج لكي يتمكن من القيام بكل الاتصالات التي تضمن الدعم المادي للحركة. ورجحت المصادر أن يتم اختيار الدكتور موسى أبو مرزوق رئيسا جديدا للمكتب السياسي، مع العلم بأنه سبق له أن تولى الموقع قبل 16 عاما وأبعد عنه بعد اعتقاله في نيويورك بتهمة "قيادة حركة إرهابية"، وأفرج عنه بعد التوصل إلى صفقة يتنازل بموجبها عن جنسيته الأميركية، وتولى مشعل رئاسة المكتب بعدها. وأوضحت أنه بالإضافة إلى أنه لا يوجد أكثر ملاءمة من "أبو مرزوق" الذي يقيم حاليا في مصر لتولي المنصب، فإنه يحتفظ بعلاقات "أكثر دفئا"، مع قيادات الحركة في غزة، وشددت الوكالة على أنه لم يتم حتى الآن تحديد موعد إجراء الانتخابات لاختيار الزعيم الجديد للحركة، مشيرة إلى أن الاجتماع الأخير الذي عقد للمكتب السياسي للحركة في القاهرة بحث هذه المسألة. العاروري وأشارت مصادر أخرى إلى دخول القيادي البارز في الضفة الغربية والمقيم حاليا في تركيا صالح العاروري، للعلاقة الوطيدة التي تجمع مشعل به وأن الأخير يحظى بشعبية واسعة داخل أطر الحركة في الضفة والخارج وفي بعض دوائر المجلس العسكري في الداخل. وكان العاروري تعرض للأسر في سجون الاحتلال الإسرائيلي لأكثر من 17 سنة، ويترأس حاليا ملف الأسرى والدائرة السياسية في الضفة الغربية، كما ينظر إليه على أنه "مهندس" صفقة الأسرى الفلسطينيين التي أفرجت "حماس" بموجبها عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت مقابل إطلاق مئات الأسرى الفلسطينيين. تجديد دماء القيادة وقبل ذلك، أكد عضو المكتب السياسي لحماس عزت الرشق أن مشعل جدد خلال لقاء القاهرة الأخير بحضور قيادات من الداخل والخارج وبمناسبة اقتراب الاستحقاق الانتخابي أنه لن يرشح نفسه لدورة تنظيمية قادمة مدتها أربع سنوات. وقال الرشق المقرب من مشعل على صفحته في فيس بوك "إن ذلك تأكيد من مشعل وحرص منه على إفساح المجال لتجديد الدماء في قيادة الحركة، والانسجام مع روح الربيع العربي". وأضاف الرشق "كما أكد الأخ أبو الوليد – مشعل - أنه مع نهاية الدورة التنظيمية الحالية فإنه يغادر الموقع ولا يغادر الدور، إذ سيواصل العمل والجهد والدور لخدمة شعبنا وقضيتنا وحركتنا المباركة، ومشروعها في التحرير والعودة". لكن السؤال المشروع فيمن سيخلف مشعل وأيا كان اسم القائد الذي سيدير مكتب حماس السياسي وهو هل سيستطيع إدارة الحركة بشكل فاعل كما فعل مشعل طوال عقد ونصف، خاصة أن غيابه كما تقول مكونات المجتمع السياسي الفلسطيني سيترك فراغا كبيرا في "الحالة الحمساوية"، التي ستظل تحت الدوائر العربية والإسلامية والغربية والأميركية.