حضرت مؤخرًا معرضًا فنيًا، وكم شعرت بالأسف وأنا أرى الزوار يمرون سريعًا بين اللوحات، وكأنهم يتصفحون صفحات كتابٍ على عجل، دون أن يمنحوا الفن لحظته التي يستحقها. لقد بدا الأمر وكأننا نتعامل مع الإبداع كزخرفة عابرة أو رفاهية زائدة، متناسين أن اللوحات قد تخبئ وراء ألوانها وأشكالها رسالة أعمق، ربما تعكس ما نعجز عن التعبير عنه بأنفسنا، فالفنون ليست مجرد أداة للزينة؛ بل لغة صامتة تتحدث إلى الروح، ومرآة تعكس أحاسيسنا، وجسر يمتد مابين أرواحنا والعالم من حولنا، الفنون وسيلة تواصل سامية، حين نفهمها، نكتشف أنها تخاطب أعماقنا أكثر مما نتصور. وللإطلاع على الفن البصري أثرٌ بالغ في حياة الإنسان، يفتح نوافذ جديدة للتأمل، ويثري الروح بالجمال وبالدهشة. فحينما نتأمل لوحة تشكيلية، أو نطالع منحوتة من عصرنا كانت أم قديمة،أو تصويرًا فوتوغرافيًا، نسرح في الخيال إلى عوالم من التفاصيل والمعاني التي لا نلاحظها في زحمة حياتنا اليومية، كل هذا لأن الفن البصري يحكي بصمت عن مشاعر وتجارب إنسانية. اللوحات، والمنحوتات، والصور والمعارض الفنية ليست مجرد أعمال تُعرض للنظر، بل وسيلة تدعونا لنرى العالم من زوايا مختلفة، الألوان والخطوط والأبعاد، والضوء والظلال، تحرك فينا أفكارًا ومشاعرًا خفية، تجعلنا نتوقف لوهلة، نفكر، ونتساءل عن أشياء ربما لم نلتفت لها من قبل، الفن يعلمنا كيف نقرأ الجمال حتى في التفاصيل الصغيرة التي نمر بها دون انتباه. وهنا أتذكر موقفًا آخرعشته في أحد المعارض الفنية، حين وقفنا أمام لوحة قديمة كانت تمثل مشهدًا لمبانٍ بسيطة صغيرة عند الغروب، بألوان دافئة ومزيجا مدروسا من الظلال والضوء، وبينما كنا نتأملها، سمعت شخصًا بجواري يقول: "لم أكن أتوقع أن لوحة كهذه قد تعيدني بذاكرتي إلى قريتي التي غادرتها منذ سنوات"! تلك اللحظة أكدت لي كيف يستطيع الفن أن يفتح أبواب الذاكرة، ويخلق تواصلًا بين العمل الفني والمشاهد، بغض النظر عن خلفياته ..وتجربته. التأمل والانتباه الصحيح للفن يجعلنا نشعر بالجمال من حولنا، لأن الفن تذكير دائم بأن الحياة مليئة بما يستحق الوقوف والتأمل وأنه لا زالت في الحياة .. دهشة!