كانت ليلة الأربعاء حزينة بكل تفاصيلها وبكل أخبارها الثقيلة، كان خبر انتقال جدي الشيخ عبدالله بن ابراهيم المقيطيب الى رحمة الله خبرا ليس ككل الأخبار التي نسمعها، بل كان كالصاعقة المؤلمة التي اجتثت قلوبنا من موضعها وكأننا غدونا أيتاما بدون والدنا ووالد الجميع، ذلك الرجل الذي كان سراجا ينير عائلتنا الشرقية البسيطة، الرجل الذي اذا تحدث بذكريات الماضي أصغت له كل الآذان ونهلت من حديثه الكثير الكثير، كان دائم الحديث عن الوصل وعن العلاقات الأسرية الحميمة وكان دائم الوصية لنا نحن أحفاده وأبناءه بأن نعمر مجلسه وبيته بالوصل في حياته وبعد مماته وكأنه يغرس فينا قيم التلاحم منذ الصغر، بل أنه كان شديد الحرص على تواصل أبنائه وأحفاده، وكانت فرحته شديدة في آخر سنتين من عمره بأن أبناءه تصاهروا، وبأن الله بلغه خيرا في أحفاده. كان يناديني بالسنعة ويتلذذ بأطباقي ويحفزني على ممارسة كل هواياتي، كان داعما للجميع للبنات قبل الأولاد في جميع توجهاتهم، كبرنا ونحن نراه يقود زمام أمور العائلة ويفصل في كل شيء بحكمة وروية. رحلت يا جدي وتركت جرحا شديد الألم في قلوبنا ولكننا مؤمنون بقضاء الله وقدره، وسنتجاوز آلامنا بدعوات صادقة تلهج بها قلوبنا قبل ألسنتنا وستظل تلك الألسنة تلهج لك بالدعاء وتلك الأيادي السخية تجود عنك بالصدقات والزكوات. سنكون يا جدي كما عهدتنا مكرمين للضيف واصلين للرحم بارين بأبنائك آبائنا وأمهاتنا وسنكون كعقد اللؤلؤ المتراص في الأحزان والأفراح، وستظل ذكراك تفوح عطرا بيننا ولن ننساك من دعواتنا وصدقاتنا وسيصلك منا البر بعد مماتك وستكون حبيبتنا وغاليتنا أم يوسف قرة عين لنا وبهجة لكل أفراحنا. آآه يا جدي لم يكن حديثنا في عزائك إلا ذكريات الطفولة وكأن الجميع كان يستحضر ذاكرته بسعادة ذكرياتنا معك، وبطفولتنا التي عشناها في منزلك العامر وكأن كل تلك الزوايا كانت تحكي قصصا وحكايا تزينت بطيب ذكراك وجميل فعالك، كان الجميع يتحدث عنك بكل فرح يخالطه حزن ويشوبه الكثير من الألم ولكننا كنا نعزي أنفسنا بأنك في راحة عند الكريم العظيم الذي اختارك لترتاح من كل أوجاعك التي بدأت تفتك بأجسادنا قبل جسدك يا جدي الحبيب. أسأل الله لك يا جدي مغفرة تسع كل ذنب وقبولا يطال كل أعمالك، ونورا وبردا في قبرك وأن يوسع الله منزلك ويكرم ضيافتك ويجعلك في عليين مع الأكرمين والصديقين،، اللهم يا حنان يا منان اغفر لعبدك عبدالله المقيطيب ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس واعف عنه وتجاوز، واجمعنا به في جنات النعيم على سرر متقابلين.