الأحساء احتفلت بنجاح المسلسل الذي حاز اعجاب الكثير من فئات المجتمع. عندما عرض على الشاشة الكل يترقب احداثه ويحاول التعرف على منطقة الأحساء والتي لم تكن تلفت انتباه الكثير من المواطنين من مختلف المناطق. فتسليط بؤرة ضوء على أرض خصباء لينمو صداها ويرتفع لسماء الموطن والكل يتعرف عليها. ما عرض على الشاشة كان يجسد ذلك الزمن الذي نتمنى انه لو تكرر لكان لنا أن نجمد إطار اللحظات والعراقة فيها. كان وصف تلك الحقبة على الواقع أمر احترافي، حيث كانت دراسة التفاصيل الدقيقة والتي تحتوي على بساطة العيش وضنك السعي للرزق. فتبقى الذاكرة معلقة في صفحات كتاب وكلمات مغروسة بتربة خصبة ينمو منها سعف ونخيل وقد تولد منها تمرات ورطب جني، تبشر بها عذرية الأحساء. لعل احداث استعباد بوعيسى للصبيان كانت صورة سيئة للمنطقة لكنها جسدت واقعا عاشه الأجداد وترك أثراً في نفوسهم وخدشت القسوة داخلهم في سبيل طلب الرزق. على الرغم من طيبة قلوبهم ورهافة المشاعر التي يتعاملون بها مع بعضهم البعض. الجدير بالذكر أن تجسيد تلك الأحداث في عصر المعازيب، واكتساح حقبة الإدارة المحنكة والقاسية ممزوجة باستعباد تام للفتية واشبه بامتلاكهم من قبل معازيبهم وكأنه عقد يمتد لسنة وسنتين أو أكثر، هو بمثابة درس يتعلم منه الجميع أن المشقة هي لذة الرخاء آخراً. حياكة البشوت فن من فنون تصميم الأزياء التي لم تدرس بجامعات أو تعطى عليها شهادات، فتفاصيل المكسر وتداخل الخيوط المذهبة لها قوانين وتقنيات مدروسة عبر التجارب والخبرات. فنجد عمل بطانة من خيوط مطرزة، بتداخل دقيق يتم استخدام الخيط العادي المكون من البريسم، تأتي طبقة أخرى من الخيوط المذهبة لتعطي ايحاء الامتلاء والفخامة، حيث تلمع الخيوط عند تداخلها في تشابك هندسي مشكلة رسما وكأنها عذوق السعف. فالخيوط تتأثر بالزمن وتجعل لنفسها حيزاً لتنقش على صفحات السنون نقوشاً لها معاني وطلاسم. لا أنسى عندما كنت ادرس في الابتدائية، كان أبي يعتني بتلك الخيوط المذهبة عناية شديدة ويهتم بمكان حفظها، وتفادي اشتباك خيوط الرزم بعضها ببعض، بتغليفها بورق يحمي كل رزمة على حدى. لازال هناك أثر وخز الأبرة الكبيرة في أصابع والدي، تاركة ذكريات قاسية وجميلة معقودة بلذة الرخاء الحالية. أبي لم يكن سوى عاشق لمهنته، أعطى ووهب سنوات شبابه لتلك الحرفة، حيث اخذت المعاني من جوف مشاعره ليلقى بها على ساحل البحور، مكونة أمواجا من الانتماء والعطاء للأحساء. بالمناسبة يطلقون على الأبرة الكبيرة مسمى (ميبر)، حيث يتم استخدامها لاختراق اقمشة البشوت الثقيلة، وعند تكوين طبقات من الخيوط بعضها فوق بعض. مسلسل خيوط المعازيب حاز اعجاب كبار السن قبل الشباب، لأنه جسد عناءهم،وترك رسالة للجيل الجديد لتقبل نوعيات العمل وكد العيش والكدح مقارنة بالزمن القديم، لا عذر للبطالة اليوم. هذا المسلسل تفتخر به قبور اجدادنا الذين تركوا اثار غبارهم، ونحن نتعلم اليوم علم الفراسة، فراسة المسميات والمقتنيات وأثار الحياكة على أكتاف الشيوخ.