خمسة وعشرون حلقة طافت بنا بحقبة تاريخية مهمة من منطقة الأحساء، المنطقة الغنية بأرضها وشعبها ومائها ونخيلها. المسلسل مليء بكل ألوان الإبداع، التي يمكن أن نشاهدها في الشاشة جماليات المكان والزمان والإنسان، الصراع الدرامي المتنامي الذي يحفل بجانب كبير من الإثارة والتشويق، الشخصية المتكاملة لعناصر التمثيل من الناحية الاجتماعية (الأنثروبولوجية)، اللهجة الحساوية بكل ملامحها القديمة التي تعبر عن تلك المرحلة، العيون ودورها في الحياة الاجتماعية بمائها وأساطيرها، صناعة البشوت وأصالتها، وتفاصيل مجالس المعازيب وأدوات الصنعة. صراع المعازيب أنفسهم مع بعضهم البعض ومع صبيانهم، بشاعة الاستبداد الذي مثله أبو عيسى، وشراهته لامتلاك أراضي المزارعين وجعلهم سخرة له بلا رحمة أو إنسانية، يقابلها طيبة المعزب أبو موسى وسماحته، استسلام رويشد وممانعة فرحان وتمرده، حتى جماليات الصوت والغناء الأحسائي الجميل جاء ليكمل نسيج الخيوط الثقافية للمجتمع، كل ذلك جاء بإخراج رائع وحركة كاميرا ناعمة. منذ المشهد الأول في الحلقة الأولى ونزول "أبو عيسى" من سيارته ومشيته المتغطرسة وهو يدخل سوق القيصرية ولقطة "أبو فرحان" وهو يفتح نوافذ محل الحياكة معبراً عن شخصية المثقف التنويري الذي يفتح نوافذ العلم والفكر والحرية. شخصيتان متضادتان "أبو عيسى وأبو فرحان" ارتكز عليهما الصراع كثيراً في المسلسل، الذي يحسب له أنه كان حافلاً بمستويات أخرى من الصراع التي غذت أحداث المسلسل صراع أم أحمد مع الانتظار، صراع شيخة وتضحيتها بأنوثتها التي دفنتها مع "أبو عيسى" من أجل أن ترعى أبناء أختها. صراع مريم مع المجتمع ومع "أبو عيسى" في زواجها السري صراع المطرب مع أبيه ونظرة المجتمع له، صراع سلطان مع وهمه في عشق جوليا الخواجية، وعلى الرغم من كل الألم والحزن الذي سيطر على مجريات وأحداث المسلسل إلا أن خيط الكوميديا الرائع الذي نسجه معتوق من خلال شخصيته المرحة والتلقائية. "خيوط المعازيب" عمل فني جاد في طرحه يمثل نموذج للعمل الدرامي الذي تم الاعتناء بإنتاجه دون استسهال أو استهبال. تحية لكل من ساهم في إنتاج هذا المسلسل بدأ من كاتب النص، وفريق السيناريو، والممثلين الرائعين الذين عشنا معهم أحداث تلك الفترة، وانتهاء بالمخرج الذي قدم قطعة فنية جميلة. علي عبدالعزيز السعيد