ألق نفسك في ثابوت التسليم و من ثم في يم القدرة و كن على يقين في أنك في يد قانون كوني حكيم خبير يرجعكَ في الأخير إليكَ في أعلى مقامات القرب و اليقين و التجلي، كما أرجع كل من سلم و فوض الأمر اليه في الأمر كله، حين ألقت أم موسى بابنها في الثابوت فقذفته في اليم فرده الله اليها من المرسلين. لتحقيق ذلك، نجد منهج أهل القرب و اليقين، استنبطوه من التأمل في آي الكتاب المنظور و صنوه الكتاب المسطور، فبتأملهم في قصص أهل القرب ابتداء من ابراهيم عليه السلام الذي أمر بأن يلقي بنفسه في يم التسليم، بذبح ابنه اسماعيل عليه السلام فلما أسلما و تله للجبين، فداه هذا القانون الرحيم بذبح عظيم و جعله عيدا في عقبه ليتذكروا الرمزية المشفرة و يستنبطوا الحكمة المطلوبة بأن التحرر من التعلقات القلبية يوصل الى اعلى مقامات القرب و كأننا حين نحتفي بعيد الأضحى نحتفي كل سنة بتحرر من تعلق من التعلقات التي يريد أن نبقى في حضيض التراب و المادة ليعرج بنا التحرر منه الى درجة أرقى من درجات المعرفة اللدنية. و قبل ذلك كان قد طلب منه أن يتحرر من محبة زوجته و ابنه و أن يتركهما في يم القدرة بأن يسكنهما بواد غير ذي زرع، أي في عالم تنقطع فيه الأسباب ليتحقق الاضطرار الى القانون الكوني، مسبب الأسباب، الذي ينطق عن نفسه : أمن يجيب المضطر اذا دعاه، حتى يعلم كل لبيب أن الشعور بالاضطرار و اصطحاب دلك الشعور و محفظتك القلبية هو الذي يشحن الجسد للمضي قدما في تحقيق النتائج المرجوة. و مرورا بالسيدة الصديقة حنا زوجة زكريا عليهما السلام التي نذرت ما في بطنها محررا فتقبله هذا القانون الكبير المتعال بقبول حسن فأخرجها من الجهة الأخرى أم آل بيت نبوة مصطفين وهم آل عمران و ما أدراك من هم آل عمران، نخبة من أهل القرب و اليقين و من المصطفين الأخيار. قانون حكيم خبير جبار قادر قوي مهيمن صمد أحد حي قيوم واسع محيط دو جلال و إكرام جعل أحب أحبائه في اضطرار اليتم و فآواه و اضطرار الضلال فهداه و اضطرار العالة فأغناه و نصره و أيده و فتح على يده صلى الله و سلم على زهرة زهور فردوس الجنة سيدنا محمد و على آله و صحبه. قانون يسرى في الأكوان العلوية و السفلية محيط بخلقه أجمعين، استوى على عرش عوالم الملك و الملكوت و الجبروت أراد ان يتعرف الى خلقه بارسال رسل و خطابات يومية لأولي القلوب العاقلة و الآذان الصاغية و الأعين المتبصرة، حيث أن هذا القانون يرسل كلمة منه نبيا رسولا حيث وصف نبيه عيسى عليه السلام بأنه كلمته ألقاها إلى مريم، كما يرسل اشارت أخر، فيرسل مثلا، الشيب و المرض نذيران بقرب الرحيل والموت، فمن قرأ بقلبه العاقل، و أصغى بآذانه الصاغية و ابصر بعينيه المتبصرتين، فلاشك سيسرع الفرار الى هذا القانون الذي يصف نفسه بأنه خير الحافظين، و خير الرازقين و خير الأكرمين و خير التوابين و خير الغافرين و خير من آب اليه الأوابون، فتجدهم اليه آيبون تائبون حامدون شاكرون سائحون في محرابه ساجدون، فتكون النتيجة أنهم أحسنوا الظن به و لم يخافوا و لم يحزنوا حين ألقوا بأنفسهم في حضرته فأرجعهم إليهم هم أنفسهم في أعلى مقامات القرب و اليقين و التجلي.