نحن العرب نعتبر القهوة عربية فعندما نرحب بضيوفنا نقدمها مع التمر كجزء من البرتوكول العربي، فيما يدعي اليونانيون أنها يونانية الأصل، أما بالنسبة للأتراك فيعتبرونها إختراعا تركيا. الإعتقاد السائد عند البعض الذين لا يهتمون بمصادر المعلومات أن القهوة إخترعت من قبل شركة ستاربكس التي لا يخلو من فروعها شارع أو زقاق في أي مدينة في العالم. وهي فروع تحرص الشركة الأمريكية على إمتلاكها مهما كان الثمن لكي تتفوق على منافسيها فتجني من وراء الإحتكار أموالا طائلة لا يستهان بها. روادتني تلك الأفكار حين قرأت ما للقهوة من تأثير إيجابي على وظائف الأعصاب والمخ. فعلى الرغم ما لفنجان القهوة من نتائج إيجابية في تجديد النشاط ومحاربة الإرهاق بفعل الكورتيزول فإن آخر الدراسات أكدت أن تناول ثلاثة أكواب من القهوة قد يقي شاربها من السكري، أمراض الجلد، سرطان القولون ، الزهايمر وسرطان الجلد. بعد الفنجان الثالث يساعد البن على تقوية المناعة وحماية الجسم من الأمراض المزمنة. حين بحثت في التاريخ عن أصل الحكاية إنبهرت عندما إكتشفت أنها الفضل يعود إلى راعي غنم مغامر كان يعيش في أعلى هضبة من هضاب بلاد الحبشة لا حظ أن الجديان تأكل حبات ملونة بالأحمر تنمو على شجيرة برية. وسرعان ما تأكل الحبات الحمراء حتى يتضاعف نشاطها ووثبها المبتهج. فقرر الراعي أن يتناول الحبوب بنفسه. وتداركه إحساس بالبهجة حين أكلها. ومن شدة فرحته لم يستطيع كتمان السر فأفضى به إلى راهب من أصدقائه. تناولها الراهب وإخوانه وإكتشفوا أن الحبة الحمراء تعينهم على إطالة فترات العبادة وإعانتهم على السهر. ففي عام ألف للميلاد هاجرت الحبة الحمراء عبر البحر الأحمر إلي بلاد العرب ولمدة عقدين أصبحت حبات البن المغلية شرابا أثيرا عندهم. فإحتفظوا بسرها ولم يخرجوها من بلادهم كنبتة بل أخرجوها كحبوب مغلية أو محمصة لا يمكن إنباتها. وحين وسع المسلمون فتوحاتهم الإسلامية أينما ذهبوا، ذهبت معهم القهوة من شبه الجزيرة إلى شمال أفريقيا ومنها إلى شرق المتوسط والهند. ولقد قيل فيما بعد أنها إنتقلت إلى أوروبا بفضل تاجر من تجار البندقية. فكما هي عادتهم الأوروبيين لم يكتفوا بالتمتع بإمتيزات البن بل بد سعيهم لإنتاجه كمحصول. ولقد تمكن الهولنديون من تحقيق مبتغاهم حين أسسوا أول مزرعة للبن في مستعمراتهم في جزيرة جاوة. وعندما نشطت تجارتهم بدأو في توزيع شجيرات البن كهدايا للملوك والأمراء. ففي عام 1714 م تلقى الملك لويس الرابع عشر شجيرة بن وصلته من دولة هولندا كهدية إحتفظ بها في حديقة قصره إلى أن سطا على حديقته ضابط بحري فرنسي حمل جزءا منها إلى جزيرة مارتينيك التي تقع في البحر الكاريبي. وأصبحت خلال نصف قرن النبتة الواحدة ملايين الشجيرات . فأبحرالبن من المارتينيك إلى البرازيل التي أسست أكبر إمبراطورية له في العالم. لكل منا نوع قهوة يفضله ويحتسيه يوميا من دون أن يخطر عالى باله أن حكايته بدأت في الحبشة وإستقرت في بلاد العرب وإنتشرت في جميع بلاد المسلمين حتى تصدر إلى العالم ووصل إلى أيدي ستاربكس، لقد أصبحت ثقافة القهوة شبابية بغض النظر عن أهدافها وتوظيف أموالها. لازالت مزراع البن الموجودة في دول الشرق الأوسط تأكيدا على أصول النبتة الحمراء. وهناك من مازال يفضل منا التوليفة العربية التقليدية المضافة إليها نبتة الهيل على غيرها، للقهوة معنى واحد مهما إختلفت النكهات ويظل يحتفظ بسر نكهتها من يقوم بصنع فنجان القهوة بطريقه الخاصة ليصبح بذلك مذاق القهوة رائعا وبنكهة مميزة.