طغى «الواقع الافتراضي وتوابعه» على تفاصيل الحياة، رغم وجود دراسات علمية تحذر من انعكاساته السلبية، لأنه في الحقيقة بيئة خيال، ووهم مصطنع، أسهم في زيادة حالات، التوتر، فرط الحركة، كسل التفكير، التشويش على العقل، تزوير الواقع، ضياع الأوقات. وحتى نبدأ في مكافحة آثار هذا الوهم وتطبيقاته يجب علينا أن نستغل إطلالة شهر الخير رمضان، ونعقد نية الصوم الرقمي الإلكتروني لنحصن أنفسنا وصيامنا من حُمى المقاطع المصورة والتغريدات والإعلانات، وصُداع مسلسلات ومحتوى لا يُرجى منه النفع والفائدة. وبتعزيزنا هذه النية، نكون قد حققنا بعض مقاصد روحانية الشهر الكريم، في التقرب إلى الله بخشوع وطمأنينة، والتحفيز على عبور جسر باطنه الرحمة وظاهره الخير، باتجاه بيوت الأقارب والجيران والأصدقاء للزيارات والتهاني والسمر، وتفقد الحال والأحوال. هذا الجسر المعنوي العظيم، الذي أخفت معالمه الأُسرية، ومعانيه الإنسانية منذ سنوات وسائل التواصل، وفرضت على البعض مشاعر «قص ولصق»، ومجاملات جافة باهتة. فهنيئاً لمن فتح أبواب المبادرات الصادقة في شهر الغفران، ليقطف الثمار بتدبر آيات القرآن، ويُنهي الخلافات، يُوزع الصدقات، يُقَسم الميراث بالعدل على الأخوان والأخوات، يرد المظالم، يعفو، يصفح، يتنازل لوجه الله عن القضايا والمنازعات. وسيضاعف الله الحسنات لكل من يسعى إلى تفريج كُربات أُسر منعها الحياء الإفصاح عن احتياجت ليست مادية فقط، وإنما المساعدة في حل المشاكل وتذليل الصعوبات وإيصال طلباتهم في الخفاء إلى أهل الوفاء وما أكثرهم وأسرعهم للبذل والمعروف. يقول الشاعر الأديب الدكتور عبدالله بن محمد بن حميد في خواطر وتأملات استلهمها من قرب حلول الشهر الكريم فانثالت على لسانه شعراً. «...حتى إذا شعبانُ أطل مُباركاً فالزرعُ فيه مهيئُ لصرام والقطفُ للثمرات بعد نضوجها، في شهر رمضان متوجاً بصيام». إن جسر الخير يقودنا في ليالي رمضان إلى ساحات عناوينها تطييب الخواطر، ورفع المعنويات لكبار السن والمرضى وذوي الظروف الخاصة، ومن أصابتهم نوائب الدهر، لإشاعة أجواء التفاؤل، والمرح وكسر حواجز اليأس والإحباط، وزرع مساحات خضراء من الأمل، وإبلاغهم بأنهم ليسوا وحدهم، بل يحيطهم بعد الله مجتمع عظيم نشأ وتربى على الشيم المتاصلة في بلادنا المملكة العربية السعودية، أدام الله على ربوعها الأمن والأمان وحفظ قادتها وشعبها من كل سوء ومكروه. ومن المؤكد أن الصوم الرقمي يمنع ذلك العالم الوهمي من التشويش على أعظم نعمة منحها الله للإنسان وهي «العقل»، مما يمكننا من المراجعة، ومحاسبة نفوسنا بين رمضان مضى ورمضان أتى، وكيف مرت الشهور كالحلم بأفراحها وأتراحها؟، وكم من أوراق كثيرة سقطت من شجرة العمر وأخرى قاربت على الاصفرار تمهيداً للرحيل الذي لا مفر منه؟ فالحمد لله الذي يبلغنا بفضله رمضان ونسأله أن يعصمنا من تبديد الأوقات. يقول ابن القيم: «... ما مضى من الدنيا أحلام، وما بقي منها أماني، والوقت ضائع بينهما». فهل من مدكر؟