حققت المملكة العربية السعودية انتصاراً تاريخياً العام الماضي عند حصولها على حقوق استضافة معرض إكسبو الدولي 2030. وبينما تستعد المملكة العربية السعودية لهذا الحدث الرائد، لا بد أن نتذكر التاريخ الغني للمملكة وأهمية أحداث مثل معرض إكسبو الدولي 2030 في تشكيل مستقبلها. يمتد تاريخ معارض إكسبو الدولية لأكثر من 170 عاماً، وهي بمثابة منصات أساسية لتعرض الدول تقدمها في مجالات التكنولوجيا والثقافة والتجارة. فمن معرض قصر الكريستال في لندن عام 1851 إلى المعارض الحديثة مثل إكسبو دبي 2020، تركت هذه المعارض بصمة لا تمحى على الساحة العالمية. وتأكيداً على ذلك، يكفي أن نفكر في برج إيفل، أحد أهم المعالم التاريخية العالمية، الذي كان نتاجاً لمعرض إكسبو الدولي في باريس عام 1889. الآن، وبفضل هذا الحدث الرائع، سوف تعرض المملكة أمام العالم أجمع، في عاصمتها الرياض، روعة الابتكارات والتعاونات والتطورات الحاصلة في كافة أنحائها. ولكن مع توافد ملايين الزوار من جميع أنحاء العالم، فإن تنظيم معرض دولي ليس بالأمر السهل. ولنعطيكم فكرة عن حجم الحدث، فقد حضر معرض إكسبو الدولي الأخير في الإمارات العربية المتحدة ما يزيد على 24 مليون زائر مع 192 جناحاً موزعة على مساحة 500 أكر. تؤدي الخدمات اللوجستية، التي تشمل سلاسل التوريد ووسائل النقل والبنية التحتية، دوراً كبيراً في تسهيل الأحداث العالمية الضخمة مثل معرض إكسبو. فحدث بهذا الحجم يتطلب خبرة في التعاطي مع العمليات الضخمة. ومن التنسيق السلس لشبكات النقل إلى الإدارة الدقيقة للبضائع والمستودعات وسلاسل التوريد، تعتبر الخدمات اللوجستية بمثابة العمود الفقري لضمان حسن سير المعارض والحضور والموارد الأساسية لنجاح المعرض. تلبية الحاجات اللوجستية لمعرض إكسبو 2030 ليست المملكة العربية السعودية غريبة على الأحداث والمعارض الضخمة، إذ استضافت خلال الأعوام الأخيرة عديدا من المؤتمرات الدولية ومؤتمرات القمة والأحداث الرياضية الناجحة. فمن سباقات الفورمولا إي في الدرعية إلى قمة مجموعة العشرين في الرياض، أثبتت المملكة قدرتها على تنسيق عمليات لوجستية سلسة على نطاق واسع. ولا شك في أن المملكة العربية السعودية، بفضل خبراتها وبراعتها اللوجستية، قادرة تماماً على التعامل مع المهمة الضخمة المتمثلة في تنظيم حدث إكسبو عالمي بنجاح. وتفخر المملكة بحيازتها على أحد الأنظمة اللوجستية الأكثر تقدماً في العالم، مدعومة بموقعها الجغرافي الاستراتيجي وصناعاتها المزدهرة. ومع الإرث التجاري الذي يعود إلى قرون مضت، اكتسبت المملكة خبرة في مجال الخدمات اللوجستية في مختلف القطاعات، بما في ذلك النفط والغاز والبتروكيماويات والتصنيع. واليوم، اكتسبت المملكة سمعة طيبة كمركز لوجستي عالمي بفضل كفاءتها في إدارة سلاسل التوريد المعقدة والتعامل مع الشحنات الضخمة، مما جذب الشركات والمستثمرين من جميع أنحاء العالم. في الوقت نفسه، تواصل المملكة العربية السعودية استثماراتها في توسيع شبكات النقل وتحديث الموانئ والمطارات. وفي عام 2021، استثمرت المملكة أكثر من 500 مليار ريال (133.34 مليار دولار) في المطارات والموانئ البحرية والسكك الحديدية وغيرها من البنية التحتية في محاولة لتحويلها إلى مركز عالمي للنقل والخدمات اللوجستية. والواقع أن مشاريع تطوير مراكز لوجستية ذكية وتنفيذ أنظمة متطورة للتخليص الجمركي ليست أساسية لمعرض إكسبو 2030 فحسب، وإنما ستترك أيضاً إرثاً دائماً سيفيد قطاع الخدمات اللوجستية في المملكة العربية السعودية للسنوات المقبلة. ضمن جهودها الهادفة إلى الريادة في الخدمات اللوجستية، تستثمر المملكة العربية السعودية في الابتكار لتعزيز قدراتها اللوجستية. ومن خلال استخدام تقنيات متطورة مثل الذكاء الاصطناعي وتقنية البلوكشين في العمليات اللوجستية، تضمن المملكة الشفافية والمثالية في عملياتها. فعلى سبيل المثال، يعتمد ميناء الملك عبدالعزيز في الدمام الأتمتة في محطات الحاويات الآلية وأنظمة التتبع التي تدعم إنترنت الأشياء، فيما يعتمد مطار الملك خالد الدولي في الرياض أنظمة تسليم الأمتعة العاملة بالذكاء الاصطناعي وتحديد الهوية البيومترية، مما يبسّط عمليات الركاب والبضائع. وهذه التقنيات لا تعزز الكفاءة فحسب، بل تتيح أيضاً حل المشكلات بشكل استباقي وتوقع الاضطرابات المحتملة والتخفيف منها قبل حدوثها. التأثير الطويل المدى على السعودية سوف يتردد صدى استضافة معرض إكسبو الدولي 2030 في جميع أنحاء المملكة لأجيال قادمة. فهذا المعرض سيعزز قطاع السياحة، ويوفر منصة حيوية لجذب الاستثمارات الدولية، ويعزز أهداف النمو الاقتصادي للمملكة العربية السعودية. وتشير الأبحاث التي أجرتها شركة الراجحي المالية إلى أن اقتصاد الرياض سيحظى بدعم قيمته 355 مليار ريال سعودي (94.64 مليار دولار). ومن المتوقع أيضاً أن يحصل تأثير سنوي بنسبة 0.75% خلال السنوات ال25 المقبلة، مما يسرّع تطوير مشاريع ضخمة للحكومة. ففي معرض إكسبو دبي، كانت خدمات تنظيم المناسبات وخدمات الأعمال والبناء والمطاعم والفنادق من أبرز القطاعات التي استفادت من النمو المحلي. ويتطلب ذلك بنية تحتية لوجستية وسلاسل توريد قوية وموثوقة وآمنة وفعالة. الخدمات اللوجستية هي القوة الصامتة في التنسيق السلس لهذا الحدث الكبير، وتؤدي دوراً محورياً في تشكيل مسيرة المملكة العربية السعودية نحو الريادة في الخدمات اللوجستية العالمية. ومعرض إكسبو 2030 لا يثبت فقط البراعة اللوجستية للمملكة العربية السعودية، وإنما يسرّع أيضاً تطوير الخدمات اللوجستية والمشهد الاقتصادي الأوسع. ومن خلال عرض خبرتها في إدارة سلاسل التوريد المعقدة، والتعامل مع شحنات البضائع الضخمة، واعتماد التكنولوجيا المتطورة، تؤكد المملكة مكانتها كمركز لوجستي عالمي بالغ الأهمية.