ما الوطن؟ هل هو مساحة الأرض والجغرافيا؟ أم هو مصدر الرزق وحيز المعيشة والاستقرار والالتزام؟ أم هو الحضن والهوية والانتماء؟ أم هو هذا كله شاملاً وجودنا وجذورنا ومستقبلنا؟ هذه التساؤلات تعيدنا مراراً وتكراراً لمسألة تمكين المواطنة السعودية من منح جنسيتها لأبنائها أسوة بالمواطن السعودي. في رأيي أننا أصبحنا في مرحلة مهيأة للنظر في سن قانون كهذا، وذلك بالنظر للشوط الكبير الذي قطعته بلادنا العظيمة في تمكين المواطنات وزيادة الأنظمة الداعمة لهن وارتفاع مؤشرات المساواة بينهن وبين المواطنين الرجال على نحو سبقت السعودية به كثير من الدول في وقت قصير، بقرارات حازمة اتخذتها الدولة ابتداء كجزء من عملها الحضاري لرفع مستوى الحياة في السعودية وتعزيز قيم المواطنة لدى كل فئات المجتمع. من جهة أخرى، فإن أبناء المواطنات اليوم يتمتعون بجميع مزايا المواطنين من ناحية الاستفادة من خدمات التعليم والعمل والصحة والتنمية، فالقوانين السعودية لا تتعامل معهم كأنصاف مواطنين عندما يتعلق الأمر بمصالحهم والاستثمار فيهم كجزء لا يتجزأ من أبناء الوطن، ومع كل ما يستفيدون منه إلا أنهم يبقون تحت مظلة الإقامة وقد يغادرون البلاد لاحقاً أو يحاولون الحصول على جوازات سفر غربية أو شرقية. وهذه الحلول يصاحبها في الغالب فاقد في مواردنا البشرية وإرباك في مكوناتنا المجتمعية. إن إصدار نظام مدروس اقتصادياً وسياسياً وديموغرافياً يسمح بتمرير جنسية المواطنة لأبنائها سيكون له أكبر الأثر في تعزيز قدرة المرأة السعودية على إدارة خياراتها في ظل قوانين عصرية تحمي حقوقها وحقوق أبنائها، كما سيؤدي لتحقيق الاستقرار لهذه الفئات وتوجيهها نحو بناء خططها للمستقبل في ظل ظروف مغايرة وتطلعات أكثر وفرة مع ترسيخ مشاعر ورؤى عميقة لدى الأبناء تجاه وطنهم الذي ينتمون إليه نفسياً وقانونياً. ختاماً.. ونحن نعبر اليوم مرحلة انفتاح على العالم، ومع تقديم تنظيمات مهدت لزواج المواطنات بغير السعوديين فإن ملف تجنيس أبناء المواطنات بات مقلقاً لما له من مساس مباشر بالمرأة وأسرتها، كما أن الجنسية لا تقاس على النسب، فامتداد الأنساب للآباء أمر شرع وعرف، أما الجنسية فتبقى مسألة انتماء فكري ونفسي واتصال بكيان الأم، وصون لروابط الأجداد والأخوال، وطريق لاندماج عميق لشريحة من أبنائنا المخلصين، الذين لا يعرف كثير منهم غير السعودية وطناً وأهلاً ومنزلاً.