[... البدون من فئة الذين أخفوا أوراقهم الثبوتية، طمعاً بالرفاه، ساهموا في إيقاع الكثير من الظلم على القسم الأول، بسبب تفاقم الأزمة وازدياد أعداد البدون إلى درجة باتت حل قضيتهم سبباً في حصول نوع من الفوضى في خارطة الكويت الديموغرافية، خصوصاً أن الأسرة لدى فئة "عديمي الجنسية" تتسم بكبر حجمها... الكويتي إذا تزوج من سيدة بدون، فإن الأولاد يعامَلون على أساس أنهم بدون. ويطلق على هؤلاء اسم "الكويتيون البدون". ولا تصدر أي وثائق لهم مثل شهادة الميلاد التي تحتاج إلى خانة ميلاد الأب والأم... فصل من فصول معاناة البدون] كان من أشد زملائها ذكاءً وثقافة. لكنه مع ذلك كان منطوياً على ذاته. يتجنب الانخراط مع باقي زملائه الكويتين المعروفين أصلاً بالكبرياء والمفاخرة بانتمائهم لهذا البلد الغني الذي يحقق أحلام أبنائه ويرضي طموحاتهم. كان يسألها دائماً عن بلدها لبنان. يخبرها أنه يحلم بزيارته. وهي تبدو مستغربة كيف أنه لم يزر بلدها يوماً. كانت تدعوه باستمرار إلى المجيء إلى لبنان والتعرف على طبيعته الجميلة. لكنها صُدمت إذ علمت أن زميلها لا يستطيع السفر لزيارة موطنها. والسبب؟ لأنه بكل بساطة "بدون". هذه الواقعة ليست سوى نقطة في بئر الآلام التي تغرق كل الشبان والشابات الذين حُكم عليهم بأنهم "بدون". فيصاب بالحيرة كل من يزور الكويت التي تبهره بازدهارها وعمرانها ورفاهة أبنائها وترفهم، حين تنكشف أمامه حقيقة ضائعة، موجعة من الناحية الإنسانية ومخيفة من الناحية السياسية والديموغرافية. إنها قضية البدون التي تعود إلى الواجهة من جديد على رغم أن نار المطالبة في حلها لم تهمد يوماً إثر تأكيد مسؤول في جهاز رسمي كويتي، مكلف إعداد توصيات بشأن مشكلة "البدون"، أن السلطات يمكن أن تمنح الجنسية ل34 ألفاً من البدون الذين يعيشون في البلاد. ووعْد رئيس الوكالة المركزية للمقيمين غير الشرعيين صالح الفضالة بتسوية هذا الملف في غضون خمس سنوات. ويعتبر مصطلح "البدون" تعبيراً مشهوراً على ألسنة الناس في الكويت، للدلالة على فئة اجتماعية غير محددة الجنسية مقيمة على الأراضي الكويتية منذ مدة طويلة. وتنقسم قضية البدون إلى قسمين: الأول يشمل الذين لا يحملون جنسية أي دولة. والثاني الذين ينتمون إلى دول أخرى، ولكنهم أخفوا كل الوثائق القانونية التي تثبت أنهم ليسوا عديمي الجنسية، طمعاً في تقديمات دولة "الرفاه". والواقع أن القسم الثاني من البدون ساهم في إيقاع الكثير من الظلم على القسم الأول، بسبب تفاقم الأزمة وازدياد أعداد البدون إلى درجة باتت حل قضيتهم سبباً في حصول نوع من الفوضى في خارطة الكويت الديموغرافية، خصوصاً أن الأسرة لدى فئة "عديمي الجنسية" تتسم بكبر حجمها. ويصل معدل الإعالة فيها إلى 7 أفراد في المتوسط، بينما لا يزيد عن 4 لدى الأسرة الكويتية. ويمكن تقدير أهمية هذا الأمر في ما يشكله من أعباء اقتصادية وإرهاق للخدمات العامة في الحاضر والمستقبل. ثم إن غالبية هذه الفئة تنحصر في جنسيات معينة، إذ أن مشروع استكمال الوثائق الخاصة لغير محددي الجنسية أدى إلى التثبت من جنسيات 27470 فرداً، أي 12.5 في المئة من إجمالي الفئة. ولم تكن الحكومة قبل 1989 قد حددت عدداً لفئة عديمي الجنسية. والواقع أن هذه الإجراءات أدت إلى نتائج إيجابية، حيث بادر نحو 16900 فرد إلى تعديل أوضاعهم القانونية من خلال إبراز هوياتهم الحقيقية. وتم التوصل إلى اكتشاف الجنسيات الحقيقية لما يزيد عن 15000 فرد آخر. إلا أن الغزو العراقي للبلاد حال دون متابعة تنفيذ الخطوات الإجرائية التي وضعتها اللجنة في شأن حل المشكلة على النحو المرسوم. ويُعتبر مصطلح "بدون جنسية" المصطلح الأول الذي ظهر لوصف هذه الفئة ويعرف في المصطلح القانوني أو الدولي ب"عديم الجنسية". وسبق أن نفّذت الدولة بعض الخطوات باتجاه مواجهة هذه المشكلة، بدأت مع صدور قرار مجلس الوزراء سنة 1985 بإلغاء مصطلح "بدون جنسية"، في المعاملات الرسمية وغير الرسمية، واعتبار كل من لا يحمل الجنسية الكويتية "غير كويتي". أما آخر مصطلح استخدمته الحكومة الكويتية لوصف هؤلاء هو "المقيمون بصورة غير شرعية". وهو المصطلح الذي يحمل في طياته مزج وجودهم بقانون الإقامة رغم عدم خضوعهم له. ويُعتقد أن اختيار هذا المسمى يرجع أساسه إلى ممارسة نوع من الضغط النفسي على أفراد هذه الفئة، أملاً في أن يظهر منهم من يمتلك وثائق تثبت انتماءه إلى دولة ما. والحق أن قضية البدون في الكويت لا تشبه مثيلاتها في الدول العربية الأخرى، إذ أن للكويت وضع خاص وظروف مغايرة، لكن الأمر الذي جعل من هذه القضية ازمة متفاقمة هو هذا التغير الحاصل في معاملة الدولة الكويتية لهذه الشريحة من القاطنين أراضيها. فقد كان وضع البدون في الكويت قبيل عام 1985 مميزاً حيث تمت معاملتهم في الكثير من الحالات كمواطنين وتم تفضيلهم على المقيمين من جنسيات أخرى. ووصل الأمر في بداية سبعينات القرن العشرين إلى درجة منح الجنسية لأي طالب من البدون يكمل تعليمه الثانوي. إلا أن هذا الإجراء أوقف بعد مدة وجيزة بسبب إقدام بعض من حملة الجنسيات الأخرى للدول المجاورة على إخفاء جنسياتهم وتسجيل أنفسهم على أنهم بدون. وكان كثيرون منهم قد انخرط في السلك العسكري حتى إن الإجراءات الرسمية كانت تتجه نحو معاملة البدون معاملة خاصة. خلفية تاريخية فقانون الإقامة الذي كان معمولاً به في الكويت أواخر الخمسينات كان يستثني أفراد العشائر من الحصول على سمات دخول وتراخيص الإقامة وجوازات السفر للدخول إلى الكويت والإقامة فيها، وكانت إجراءات التطوع في القوات المسلحة وخصوصاً في الستينات والسبعينات تفتح المجال أمام تنامي مشكلة فئة "غير محددي الجنسية"، من بين أفراد العشائر المقيمين بصورة قانونية دونما وثائق. وصدرت من المسؤولين تصريحات متكررة حول قرب تجنيس الملتحقين منهم بالجيش والشرطة، إضافة إلى الدعوة التي وجهت في بداية الثمانينات لتسجيل مدعي الجنسية الكويتية. وكانت الإحصاءات في السابق تدمج البدون مع الكويتيين. وعندما صدر قانون الجنسية الكويتي في 1959 تشكلت لجان من شخصيات كويتية لمنح الجنسية بموجب تعريفهم بالشخص المتقدم من خلال مقابلة شخصية، وكانت تلك اللجان تصدر قرارها بعد المقابلة إن كانت قد اقتنعت بأن الشخص كويتي فعلا، أم أنه يستحق الجنسية بالتجنيس وقد حدثت جملة من الإشكاليات آنذاك، خاصة من أولئك الذين قررت اللجنة أنهم يستحقونها بالتجنيس فما كان منهم إلا أن رفضوا الجنسية انطلاقا من قناعتهم بأحقيتهم بالجنسية بالتأسيس، وهكذا أصبحوا "بدون". ونصت المادة الأولى من قانون إقامة الأجانب رقم 17 لسنة 1959 على "عدم جواز دخول الكويت لأي شخص أو مغادرتها دون أن يكون حاملاً لجواز ساري المفعول صادراً من الجهات المختصة في بلده أو من الجهات الدولية التي تعترف لها الكويت بهذا الاختصاص، ومؤشراً عليه بسمة الدخول من إحدى القنصليات المعهود إليها بذلك في الخارج" أما من يرغب في الإقامة في الكويت فعليه الحصول على موافقة وزير الداخلية (مادة 9) ويعطى الحق بالإقامة الموقتة بما لا يزيد عن خمس سنوات قابلة للتجديد لمدة مشابهة.ومع أنه يفترض أن تنطبق المواد المذكورة أعلاه على البدون، إلا أنهم تم استثناؤهم من ذلك التطبيق و فقاً لمنطوق المادة 25 فقرة د حيث تم استثناء" أفراد العشائر الذين يدخلون الكويت براً من الجهات التي تعدوها لقضاء أشغالهم المعتادة" ومع أنه جرى إلغاء تلك المادة إلا أن ذلك التعديل لم يغير شيئاً من الأوضاع القانونية القائمة. فالبدون لا يخضعون لأحكام قانون إقامة الأجانب ولا يجوز إبعادهم إدارياً أو قضائياً وهم يشكلون فئة وسطى بين المواطنين والأجانب. تفاصيل الأزمة مرت مشكلة البدون في الكويت بمراحل عدة: مرحلة صدور قانون الجنسيةعام 1959 وحتى 1985، وهي المرحلة التي لم يشعر فيها بأي انتهاك لحقوقهم باستثناء الحصول على الجنسية من العام 1985 وحتى الغزو العراقي 1990 وهي مرحلة بداية التشدد. والمرحلة الثالثة منذ تحرير الكويت 1991 وحتى الآن، وهي مرحلة زاد فيها التشدد والمعاناة بالنسبة إلى البدون، انتهاء بصدور قانون رقم 22 لسنة 2000 الصادر في 2001/6/3 والذي نشر في الجريدة الرسمية "الكويت اليوم" بتاريخ2000/6/11 حيث وافق فيه مجلس الأمة على قانون يقضي بتجنيس ألفي شخص لتلك السنة بأغلبية 40 نائباً ورفض خمسة نواب وامتناع خمسة آخرين عن التصويت. واستند هذا التقرير إضافة إلى مصادر أخرى بشكل أساسي على دراسة أصدرها مجلس الأمة عام 1996. وفي الواقع إن تريث دولة الكويت في حل قضية البدون المتفاقمة يترجم فعلاً تخوفها من انعكاسات التجنيس وتأثيره على تركيبتها السكانية خصوصاً أن هناك الكثير ممن ينضوون تحت لواء " البدون" ينتمون لدولة غير عربية في المنطقة لها مخططاتها ومشاريعها المناهضة لدول الخليج من حيث الباطن. لكن هذا الأمر لا يعفي الكويت من مسؤولياتها وواجبها إزاء إيجاد حل لهذا الوضع المزري الذي يعيشه البدون على أراضيها... فالحالة اللاإنسانية التي يعاني منها البدون تجعل الأمر أكثر إلحاحاً في ضرورة وضع حد يوقف هذا النزف الاجتماعي المتردي داخل هذه الشريحة، فالبدون يعانون الأمرّين اجتماعياً واقتصادياً وصحياً، فهم محرومون من حقوق كثيرة. لذا، لا بد من منحهم الحدود الدنيا من حقوقهم المدنية الأساسية، والمتعلقة بالحق في التوظف في مؤسسات القطاع العام والقطاع الخاص، والحق في الحصول على الشواهد (الوثائق) الثبوتية كعقود الميلاد والزواج والطلاق والوفاة، وبطاقات مدنية، والحق في التنقل بحرية داخل البلاد، والحق في السفر، والحق في التعليم لأبنائهم وفي الرعاية الصحية. وهذا الأمر لا علاقة له بالتجنيس، فالتجنيس يخضع لشروط قانون الجنسية فمن تتوفر فيه تلك الشروط فله الحق فيها. ومن الأمثلة على هذه المعاناة أن الكويتي إذا تزوج من سيدة بدون، فإن الأولاد يعامَلون على أساس أنهم بدون. ويطلق على هؤلاء اسم "الكويتيون البدون". ولا تصدر أي وثائق لهم مثل شهادة الميلاد التي تحتاج إلى خانة ميلاد الأب والأم. بل ان وثيقة الزواج أيضا لا تصدر إلا بجنسية تفترضها السلطات، وإذا وافق الطرف المعني "البدون" على تلك الجنسية، فيتم إلزامه بها وإرغامه على تلك الجنسية ومن رفض يظل "بدون". ومن صور المعاناة أن البدون لا يمكنه الحصول على جواز سفر إلا بشق النفس وهو صالح لسفرة واحدة فقط، فوفقاً للمادة 17 من قانون الجوازات تصدر دولة الكويت وثائق مرور تمنح لغير الكويتيين لتمكينهم من السفر لأسباب محددة كالمشاركة في مهمة رسمية، أو العلاج، أو الدراسة أو الحج والعمرة وغير ذلك من الأسباب. ومع حصول البدون على هذا الجواز فإنه محروم من دخول الكثير من الدول حتى العربية منها، فمع منع سورية رسمياً البدون حاملي جوازات المادة «17» من الدخول إلى أراضيها، إلا من خلال فيزا لا تمنح إلا بضوابط مشددة، بدأ هذا الجواز «الرمادي» يفقد قيمته في ظل اتساع دائرة الدول التي تمنع هذه الفئة من تجاوز حدودها بغرض المرور والسياحة والعلاج والدراسة! وكانت الأردن أولى الدول العربية التي حظرت دخول «البدون» أراضيها بشكل قاطع منذ حوالى 7 أعوام. فبات خيار السفر للبدون محصوراً عربياً في مصر وحدها التي تسمح بدخول هذه الفئة وفق ضمانات الفيزا، في حين يتطلب السفر الى الدول الأوروبية ضمانات مالية تكاد تكون تعجيزية في أحيان كثيرة. وأمام هذا الإطباق وإغلاق المنافذ في وجه حملة هذه الجوازات، تكاد أحلام السفر تتبخر شيئاً فشيئاً قاطعة الطريق أمام محاولة الخروج من العزلة والانكفاء التي يعيشها البدون. ولا يبدو أن حل قضية البدون سيكون سهلاً بل يتطلب الكثير من الجهود الجبارة لئلا يظلم أحد عبر طلب الكويت من الدول المجاورة، مثل العراق وايران والسعودية وسورية، تزويدها بمعلومات عن أسماء قوائم المتقدمين للحصول على الجنسية ومن قُيدوا بأنهم من فئة البدون تحدد فيها أصولهم وعروقهم في تلك الدول، فتتضح الصورة بشكل جلي. وبالتالي، يتم حصر من يستحقون الجنسية منهم وممن لا يستحقونها.